من المقالات المهمة التي تنشرها جريدة الشرق الأوسط في إطار خدمة جريدة نيويورك تايمز الشهيرة، مقال وارن كريستوفر وزير الخارجية في الولاية الاولى لبيل كلينتون المنشور قبل يومين، وفيه يذهب إلى أن ثمة منهجين لتحقيق سلام في الشرق الأوسط لا ثالث لهما.. منهما: قيام وزيرة الخارجية الأمريكية القادمة بزيارات متعددة إلى المنطقة، وعقد اللقاءات المطولة والمباشرة مع الأطراف المختلفة.. أي تماماً كما كان يفعل هو نفسه وكذلك من سبقه إلى وزارة الخارجية كالدكتور هنري كيسنجر في إدارتي نيكسون وفورد.. وجيمس بيكر في إدارة بوش الأب.. حين كان هؤلاء جميعاً يقضون الساعات الطوال مع الزعماء العرب، خاصة الرئيس حافظ الأسد، الذي اتبع استراتيجية تفاوضية عجيبة، تقوم على إنهاك ضيفه بالحديث المطول عن جذور مشكلة الشرق الأوسط التاريخية وتشابكاتها الإقليمية، لكي لايتعرض لشروط مسبقة!! وكم من مرة وجد هنري كيسنجر نفسه متعباً - وفي نفس الوقت متفهماً - وهو يخرج من لقاء الرئيس السوري الراحل.. عكس ما كان يجده من راحة واسترخاء أثناء اجتماعه إلى أنور السادات!. وقد تمت له السيطرة النفسية على الرئيس المصري، بدغدغة أحلامه المتطلعة إلى أمركة بلده وحل مشاكله الاقتصادية !! بعد سنوات عجاف انتهجها سلفه في التحالف مع الاتحاد السوفياتي. ?? وارن كريستوفر يدرك تماماً أن راهن المجتمع الدولي وقضاياه الإقليمية الساخنة، يبدوان أكثر تعقيداً وحساسية وخطورة من أمسهما.. وهذا ما يجعله ينصح زميلته القادمة إلى وزارة الخارجية، بأن لا تركز جهودها على قضية الشرق الأوسط.. فهذا هو ما أخذه النقاد المحافظون على أسلوبه وأسلوب رئيسه بيل كلينتون!1 عندما فسح المجال أمام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بزيارة البيت الأبيض قرابة خمس وعشرين مرة.. وارسل وزيرة خارجيته مادلين اولبرايت عشرات المرات إلى المنطقة للاجتماع إلى مسؤوليها، حتى كادت آخر إدارة للديمقراطيين التي ينتمي إليها وارن كريستوفر، أن تؤتي أكلاً معقولة في حل قضية الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة المتبقية من إدارة بيل كلينتون، بسبب استمرار الجهود الأمريكية.. الا تتناقض هذه النصيحة المتبخرة من أوساط اليمين المحافظ المهيمن اليوم على البيت الأبيض ومؤسسات المجتمع والدولة في الولاياتالمتحدة.. مع ما يذهب إليه كريستوفر من انتهاج خط آخر في الخارجية الأمريكية، حين يقترح على وزيرتها أن تسمي للرئيس بوش مبعوثاً خاصاً بإدارة المفاوضات والتفاهمات لحل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة وأن الرئيس الأمريكي قد تعهد بإنشاء دولة فلسطينية، رحَّل الاعلان عنها عشية وفاة الرئيس الفلسطيني الغامضة من سنة 5002م كما تعهد من قبل إلى عام 9002م.. أي مع انتهاء مدة ولايته الثانية؟!! ?? لا يبدو الأمر كذلك عند كريستوفر؛ فهو إذ يقدر انشغالات كونداليزا رايس بجملة من القضايا العالمية المحتدمة في العراق وايران وكوريا الشمالية.. يقترح جيمس بيكر وزير الخارجية المحنك في إدارة بوش الأب مبعوثاً متحدثاً باسم الرئيس.. وهو اقتراح وجيه.. إذ لن يبدو بوساطته منافساً للسيدة رايس بوصفه عضواً موالياً داخل الأسرة البوشية.. وفوق ذلك فلبيكر تاريخ من الاحترام والثقة في أوساط المنطقة ما يجعل لوساطته معنى.. إضافة إلى ما يتمتع به من شخصية كارزمية مؤثرة على أطراف النزاع، لا أحسب أحداً في الإدارة الامريكية الحالية يضاهيها.. السؤال هنا: هل توجد رغبة أمريكية حقيقية في ايجاد حل للصراع المزمن في المنطقة؟! منطق الأمور حيث تتشابك قضايا الصراع الإقليمية، وتتفاقم ببروز صورة الإرهاب والإرهاب المضاد، تعبيراً عن حالة الاحتقان العامة فيها.. يتطلب من حكماء أمريكا أو قل من تبقى منهم!! أن لا تترك معالجة القضايا الدولية في أيدي مسؤولين مؤدلجين، كما هو الشأن اليوم لدى مسؤولي الإدارة الأمريكية المحافظين ومستشاريهم من اليمين الجديد، بل ينبغي الاستعانة بساسة وخبراء موسومين بالحرص على سلامة النظام العالمي دون تعصب ولا انحياز. وأحسب أن جيمس بيكر واحد منهم.. نعم.. إن مقال وارن كريستوفر شديد الأهمية.. وعلى وزارات الخارجية في دول المنطقة دراسته وتفعيله لدى الأوساط الامريكية، لتنطلق مبادرة أمريكية جادة، بعيداً عن الارتهان لثقافة التوتر والشك والتوجس المتأتية من تداعيات الحادي عشر من سبتمبر.. حيث العالم بأسره يحتاج اليوم إلى مبادرة سلام، لا يتحقق الا بحل الصراع العربي الإسرائيلي اولا.. لتهدأ الأوضاع في كافة مناطق التوتر الموجودة والمحتملة على سطح الكوكب الأرضي.