حين احتدمت الكلمات بين فمه.. تذكرت العلاقة المتوترة بين الملك فيصل الأول ملك العراق والشاعر العراقي معروف الرصافي.. هذا الذي وصف الملك وبلاطه في أبيات شعرية مشهورة له ببذاءة، أحسب أن ديوان الشعر العربي قديمه وحديثه لا يصل إلى وقاحتها.. ومع ذلك عندما رتب عبدالمحسن السعدون وزير الداخلية ورئيس الوزراء في العهد الفيصلي مجلساً للشاعر الغاضب مع الملك في بغداد.. رأيناه.. يسمو فوق إسفاف الرصافي، بل إنه يبدو في مرات كثيرة هو الذي يخطب ود الشاعر الصعلوك! ويبحث له عن وظيفة تناسبه!! كان الرصافي يتطلع إلى أن يجد مكانه بين أعضاء الحكومة العراقية وزيراً، أو موظفاً كبيراً، بعد ما زامل فيصل الأول في عضوية مجلس المبعوثان العثماني في اسطنبول!! بينما لم يحسن استقبال الملك الوافد إلى بغداد عن طريق البصرة.. فقد كان الرصافي محسوباً على طالب النقيب المتطلع إلى حكم العراق عبر معاضدة فيلبي له. ?? يذهب الباحث العراقي الدكتور يوسف عز الدين في كتابه الأخير «الرصافي يروي سيرة حياته» الصادر عن دار مدى..إلى أن الرصافي كتب أشعاراً ذات نبرة وطنية حادة.. إلا ان الباعث على ذلك - في نظره - هو حرمانه من الوظيفة السياسية بسبب مزاجه المتقلب وغضبه السريع، هو ما جعله يقبل بوظيفة معلم للغة العربية في مدارس بغداد، كما كان قبلها في فلسطين وأسطنبول.. لذلك كان ناقماً على الوزارة والوزراء!! اسمعه يقول ساخراً: إن ديك الدهر قد باض ببغداد وزاره ووزير ملحق كالذيل في عجز حماره وهو لا يملك أمراً غير كرسيّ الوزاره هذا التوصيف صحيح للوزير العراقي إبان الاحتلال البريطاني كما ذكرنا في مقالة أمس حينما كان أبناؤه المستشارون هم من يسيّر أمور الدولة في بغداد لا أبناء القطر العراقي.. ورغم مرارات الرصافي الشعرية الناقدة الحادة المتطاولة لمؤسسات الدولة وأجهزة الحكم، فإنه لم يتعرض لإساءة واحدة من الملك أو رئيس الوزراء.. إنه ينتقد كل مفردات التنظيم الحديث في بلده، مستنداً إلى انها من أفعال الأجانب المحتلين قائلاً: علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرّف أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف وجهان فيها باطن متستر للأجنبي وظاهر متكشف ?? ولا ينفك عن مواصلة نقده السياسي حتى يطاول شخص الملك نفسه آخذاً عليه أنه لا حول ولا قوة له ولا أمر.. فهو مجرد حاكم ! وليس له من أمره غير أنه يعدد أياماً ويقبض راتباً.. أما بيتاه المليئان بالبذاءة حول البلاط الملكي ومن يحوط به من «زعاطيط» أي غلمان.. فإنني لا أستطيع إيرادهما. كان الرصافي يقول ما قاله وهو يخرج من بيت أديب أو صحفي ويدخل بيت سياسي أو مسؤول في بغداد حراً كالطير.. لم يمسسه أحد بسوء