شخصية الإنسان تلعب دوراً كبيراً في حياته سلباً، وإيجاباً.. هذه الكلمة: الشخصية، التي تعد واحدة من أصعب الكلمات تحديداً من الناحية السيكلوجية، فحتى الآن لم يظهر تعريف شاف، شامل لتعريف الشخصية بشكل دقيق، يجعل العاملين في الابحاث يعتمدون بشكل متوافق مع ما يصبون إليه من تفعيل لابحاثهم في موضوع يعد من أكثر المواضيع تعقيداً وكذلك أهمية. فموضوع الدراسات التي تدور حول محور الشخصية، دراسات صعبة، يشوبها الكثير من الصعوبات الجمة. من هنا كانت التقسيمات الخاصة بالشخصية الاضطرابات المرضية في الشخصية في الطب النفسي من اضعف التقسيمات، والتصنيف المرضي لاضطرابات الشخصية وبالتالي العلاج الذي يستخدم في علاج هذه الاضطرابات المرضية في الشخصية ليس فاعلاً، ويعتمد على الرؤى الشخصية والتجارب الخاصة للمعالجين الذين يعتمدون على خبراتهم في هذا المجال، وكذلك الدراسات التي تكون غير دقيقة احياناً، بل أنها أحياناً تكون مختلفة تماماً ومتضادة في الرأي..! تصنيف الاضطرابات الشخصية، او حتى انواع الشخصية يختلف من تقسيم لآخر..! من هنا نشأت مشكلة علاج وأحتواء الاشخاص المضطربين شخصياً، الذين يعانون من اضطرابات في شخصياتهم، حتى في القانون هناك صعوبات في كيفية معاملتهم قانونياً، عند قيامهم بارتكاب قضايا غير قانونية، أو حتى عندما يرتكبون جرائم كبيرة كالقتل أو السرقة المسلحة او الاعتداء على الآخرين، فتقريباً جميع القوانين الدولية تعاملهم على انهم مسؤولون عن سلوكهم وتصرفاتهم، ويجب أن يعاقبوا على ما ارتكبوه من جرائم او اعمال منافية للقانون. هناك بعض انماط من الشخصيات يكاد يكون عليها اتفاق من قبل العلماء المختصين في التقسيمات في الطب النفسي. فمثلاً الشخصية الوسواسية، الشخصية التي تتسم بالدقة المتناهية، والبطء في اتخاذ القرار وكذلك عدم الحسم في الأمور، فمثل هذه الشخصية ببقية صفاتها هي أمر شبه متفق عليه بين معظم العاملين في الصحة النفسية، وكذلك الشخصية التي تعمل ضد المجتمع والتي تطلق عليها الشخصية السيكوباثية، أيضاً يكاد يكون الاتفاق عليها لاغبار عليه. والشخصية الاندفاعية التي لا تستطيع السيطرة على الانفعالات، ويكون صاحب هذه الشخصية انسان عنيف في فترة قد يتعرض خلالها لمضايقة من شخص ما، بل ربما ثار لاسباب لا تستحق كل هذه الثورة، وقد يتهور بارتكاب عمل قد يندم عليه طيلة عمره.. وهذا ما سمعنا وقرأنا في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة من اشخاص ارتكبوا جرائم بشعة تحت تأثير الغضب، وندموا ولكن حين يكون وقت الندم غير ذي فائدة..! إن مفهوم الشخصية، وصعوبة التأثير في محاولة تغيير الشخصية، أمر في غاية الصعوبة، فالشخص العصبي الذي لا يستطيع السيطرة على سلوكه في أي نوبة، والذي يثار لأبسط الامور وتوافهها، يصعب على الآخرين تغيير هذه الطباع فيه، بل انه من الصعوبة تغيير طبيعة الشخصية، ولكن بالإمكان الاستفادة من كل شخص حسب إمكاناته الشخصية. فالشخص الذي يتميز بالشخصية الوسواسية، والذي يتميز بالدقة، يمكن أن يكون شخصاً ناجحاً جداً مثلاً في الابحاث الاكاديمية وكذلك في المحاسبة وكذلك في الترجمة وعمل القواميس وكذلك الاعمال التي تحتاج إلى الدقة والترتيب، لكن يجب أن يبعد عن أماكن التي تتطلب الحزم واتخاذ قرارات سريعة، مثل قيادة الجيوش الميدانية او أي عمل يشابهه. بينما يصلح لأن يكون قائداً مثلاً الشخص الذي به بعض صفات الشخصية الحازمة، والذي لديه القدرة على اتخاذ القرار، ولكن بعد تأن ودراسة ولكنه اذا اتخذ القرار فإنه يكون واثقاً، غير متردد، مستعد للدفاع عن قراراته وتحمل مسؤولية القرار سواء كان صائباً او خاطئاً. إن بعض الشخصيات تتميز بالعصيبة والنرفزة، وضيق الصدر، فتجد أن اتفه الامور ترفع ضغطه، ويثور، ويزبد ويرعد، كأنما الدنيا انقلبت رأساً على عقب، بينما واقع الأمر يختلف عن هذا الأمر كثيراً، فما اثار هذا الشخص قد لا يلقى سوى صدى بسيط عند شخص وسيع الصدر، يتميز بالهدوء والرصانة، هذه الصفات في شخصية ما قد تؤثر على صحته بشكل كبير، فكما هو معروف بأن الغضب يرفع مستوى هرومون الكرتزون، والذي له آثار سلبية على المرء، اذ إن زيادة افراز مثل هذا الهرمون تؤثر بشكل سلبي على جميع اعضاء الجسم. (دراسة) مؤخراً تم نشر دراسة علمية في مجلة طبية امريكية، يقول الباحثون إن نوعية ونمط الشخصية التي تميز إنساناً عن آخر ربما كان لها الدور الاهم والأكثر حسماً في تحديد مدى قدرة الجسد البشري على مكافحة الامراض، او بمعنى آخر على كفاءة جهاز المناعة لدى هذا الشخص. وتشير هذه الدراسة إلى أن نوعية الشخصية ومواصفاتها وخصائصها قد يكون لها جميعاً نفوذ على قدرة جهاز المناعة في الجسم على مواجهة المرض والتخلص منه. وتقول الدكتورة آنا مارشلاند من جامعة بيتسبره الامريكية إن ذوي المعدلات العالية من التنبة العصبي (النيوروتسيزم) قد لا يتمتعون بجهاز مناعة قوي بما فيه الكفاية. (الاختبارات) قام الباحثون في كلية الطب بجامعة بيتسبره، تحت إشراف الدكتورة مارشلاند، بفحص ردود فعل أكثر من ثمانين متطوعاً حقنوا بلقاح لمعالجة مرض التهاب الكبد الوبائي، وهو مرض فيروسي. واللقاح ينشط جهاز المناعة في الجسم من خلال تعريضه لكمية صغيرة جداً من الفيروس، كما ادخل المتطوعون في اختبار لقياس طبيعة شخصايتهم ودرجة تنبهها العصبي. وتبين للعلماء أن من لديهم درجات عالية من التنبه العصبي يميلون إلى التقلبات المزاجية الشديدة، وإلى التعصب الكثير، كما تسهل استثارتهم وتعريضهم للضغط النفسي والإجهاد العصبي. وظهر أن المتطوعين من ذوي التنبيه العصبي العالي يميلون ايضاً الى تسجيل استجابات أقل من حيث جودة الأداء للقاح مرض التهاب الكبد الوبائي مقارنة بنظرائهم الذين لهم معدلات طبيعية من التنبيه العصبي. وربما تفسر هذه النتائج ما خلصت إليه دراسات سابقة من أن ذوي التنبيه العصبي العالي أكثر عرضة من غيرهم لمشاكل الأمراض وتعقيداتهم. ارتباطات وصلات تقول الدكتورة مارشلاند إن نتائج الدراسة تدعم الفكرة القائلة بأن ذوي التنبيه العصبي العالي يتصفون بجهاز مناعة أقل كفاءة من غيرهم، مما يعرضهم أكثر من غيرهم للأمراض وأعراضها. وكانت دراسة سابقة أجريت في اوهايو بالولايات المتحدةالامريكية، قد وجدت أن قوة تأثير اللقاحات والعقاقير الطبية المضادة لذات الرئة تقل عند من يعانون من الضغوط العصبية، وهو ما يؤيد النتائج الجديدة. كما ذكرت دراسة أوهايو أن للضغط النفسي والقلق تأثيراً مباشراً على حجم الهرمونات في الجسم، ومنها الكورتيزول الذي له تأثير فعال على أداء جهاز المناعة، وهذا التأثير سلبي على جميع اعضاء داخل الجسد البشري. قلنا بأن الشخص يصعب عليه تغيير شخصيته، ولكن هذا ليس مستحيلاً، فالشخص الذي يكون سريع الاستثارة والغضب، والذي يثيره اقل مثير يستطيع عبر جلسات علاجية التخفيف من حدة هذه الصفات، وبالتدريب والصبر والمثابرة، واتباع إرشادات الشخص المتخصص يمكن أن يكون التحسن كبيراً ، خاصة إذا صاحب ذلك علاج سلوكي لتغيير الأفكار السلبية لدى الشخص سريع الغضب. فإذا اقترن العلاج السلوكي بتغيير نمط الحياة، وإعادة التفكير بردة الفعل تجاه الاحداث، وربما بمرور الوقت يستطيع الشخص السريع الغضب أن يتحول إلى شخص عقلاني.. نعم إنه صعب، وقد يكون صعباً جداً ولكنه ليس مستحيلاً..!