بعد أن كاد المنغلقون يفرضون رؤية دينية ضيقة جداً للتعامل مع (الآخر) على اختلاف أديانهم وأعراقهم أتى من يُصحح هذا المسار ويطرح رؤى تم اعتبارها أساساً حين التعامل مع بقيّة الثقافات والأمم منطلقها انسانيّة البشر وكفالة حقوقهم وحفظ كرامتهم واحترام حرياتهم وأديانهم وهو ما أكّد عليه أكثرية المشاركين في اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري الذي عُقد في مدينة أبها بمنطقة عسير 13-15ديسمبر2005م.. وكان لكاتب لهذه الأسطر شرف المشاركة في هذا اللقاء الذي مثّلت فيه نفسي ككاتب في هذه الجريدة أحمل مع زملاء حرف وفكر وهمّ مسؤولية نقل وعرض رؤية شريحة عريضة من هذا المجتمع نؤمن بقيم التسامح والانفتاح والحريات التي تكفلها القوانين والانظمة المحليّة والدولية ونُشكّل جزءاً رئيساً من (نحن) السعوديين الذين يجمعنا وطن واحد لهم مذاهب متعددة وآراء وتوجهات متنوعة، ونسلك الوسائل الحضارية للحوار مع (الآخر) من المجتمعات الانسانيّة بجميع أديانها ومذاهبها وحضاراتها وأوطانها بهدف التعارف والتواصل والتعاون على الحق ونفع الانسانيّة ونرى الافادة من الخبرات الثقافية الرائدة في مختلف المجتمعات والأمم والتفاعل الايجابي مع الحراك الفكري والثقافي العولمي من أجل مصلحة بلادنا وتحضّر مواطنيه وأجياله القادمه. وأصدقكم القول بأنني لم أكن أتوقع تلك الأجواء الحميميّة التي سادت اللقاء وذلك العصف الفكري المتّقد من كل طرف مشارك سيّما وقد تم إحاطة الجميع مسبقاً بأن المداولات والحوارات سيتم نقلها على الهواء مباشرة لكل أنحاء الدنيا وهو مازاد من رفع مستوى المسؤولية ليس فقط من أجل المكاسب التي سيجنيها الوطن حين يتم تشكيل رؤية وطنية شاملة للتعامل مع الثقافات العالمية بل وحتى للنظرة العامة التي سيتم تكوينها عن هوية أطياف وشرائح مختلف التيارات الفكرية والثقافية والمذهبيّة الدينية وتحضر أفرادها حين يتحاورون ويختلفون أو يتفقون في جوّ من الاحترام والعقلانية وتقدير المسؤولية الوطنية، ثمّة أمر آخر برز في هذا اللقاء وهو تلك المشاركة المتميزة والمسؤولة للمرأة السعودية المتنورة والتي رسّخت مطالب مشروعة تم أخذها بعين التقدير وقت صياغة الرؤية الوطنية وهذه الخطوة ستضيف أفقاً جديداً لمشهد مشاركة المرأة في مسؤولية بناء الوطن ومسيرته نحو المستقبل.الصورة الحضارية الأخرى تكونت من ذلك التنظيم المتقن لبرنامج اللقاء قام به فريق من شباب مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بقيادة معالي الاستاذ فيصل المعمّر امينه العام النشط صاحب الابتسامة الدائمة والصدر الرحب، سأحاول الكتابة عن آفاق أُخرى هامّة رصدتها في تلك التظاهرة الفكرية من الحوار بين (نحنُ ونحن) ثم (نحن والآخر). ٭ رسالة الى مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني: أقول حين يأمن الانسان على روحه فإنه لن ينظر الى الوراء أبداً، والمستقبل كفيل بمحو ضبابيّة الماضي.. الأرض العطشى أضحت اليوم مهيأة أكثر من ذي قبل لاحتضان مطراً قد تأخر هطوله، وها هي اللحظة تُشرق خاشعة بصفاء القلوب، الزهور كما تعرفون ايها السادة لاتنمو على سطح صخور صماء لكن الربيع قادر على أن يكسو الأرض الجرداء بردائه (الأخضر) ليستر ما ظهر من العيوب وسماء الوطن مترعة دوماً بالحب وجيوش من فراشات ملوّنة تزف الأنقياء نحو صباحات الأمل والعمل، وسنظلّ نقاسمكم فضاء هذا البوح، رأيت الناس في (أبها) ترهف السمع جيّداً لرفيف القلوب قبل المفردات فاستمرّوا في نشر أشرعة الوئام دعوا السفينة تمضي، دعونا نتحاور (نساءً ورجالاً) أثناء إبحارها على سطح الحياة .. دعونا ننطلق فالزمن لايقبل الكُسحاء.