عندما سمحت دولة الكويت بتكوين الجمعيات الثقافية والاجتماعية سنة 3691م تقدم عدد من الشباب المثقف بطلب ترخيص إلى الأستاذ أحمد الرجيب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية لإنشاء فرقة مسرحية، حملت اسم جمعية مسرح الخليج العربي.. وكان في طليعتها عبدالعزيز السريع كاتباً وصقر الرشود كاتباً ومخرجاً.. ومنذ ذاك اختطت الحركة المسرحية الكويتية طريقاً آخر، تجاوز ارتجالية المسرح الشعبي، ونمطية المسرح العربي.. ذلك أن الهموم المشتركة التي جمعت أعضاء هذه الفرقة ،تراوحت بين تلمس القضايا الاجتماعية التي أحدثتها سنوات الطفرة.. وبين الإفادة من التجارب المسرحية.. خاصة المصرية، حين كانت القاهرة في الستينات تمر بنشاط ثقافي.. ومسرحي تحديداً.. بصورة غير مسبوقة. يصف صقر الرشود في رسالة نادرة إلى صديقيه عبدالعزيز السريع ومحبوب العبدالله.. كيف كان يقضي وقته في تلك المرحلة القاهرية قائلاً.. بأنه زار الأوبرا أضخم مسارح الشرق الأوسط.. وأعجب بما قدمه المسرح الكوميدي من التحفة الخالدة للشاعر الاسباني غارسيا لوركا. هذه التي ترجمها وحيد النقاش بإخراج كرم مطاوع وأشعار صلاح عبدالصبور وبطولة سهير البابلي وعبدالله غيث ومحمد الدفراوي ونجمة إبراهيم.. كان صقر مأخوذاً ب«يرما» مسرحية الشاعر الاسباني القتيل في الحرب الأهلية منتصف الثلاثينات الميلادية.. ?? وأيضاً فقد اطلع على مسرحية الفرافير ليوسف إدريس، التي أحدثت حينها نقاشاً نقدياً تمحور حول البحث عن شكل مسرحي أصيل، فوجده إدريس في مسرح فرعوني قديم.. وكأنه بذلك يستجيب لدعوة توفيق الحكيم في البحث عن «قالب مسرحي»!! وكذلك فقد عكف عاشق المسرح الكويتي على دراسة العروض المسرحية المصرية والعالمية إذ كان يذهب إلى الكواليس - كما ذكر المخرج المصري سعد أردش في مداخلته في احتفالية مسرح الخليج العربي - وقد عاد إلى أجوائه صقر الرشود.. وكأنه موجود بيننا.. ولو كان لشهد كم أصبحت الساحة فارغة وكئيبة بعد غيابه.. بل وأخشى القول.. عقيمة أيضاً. صحيح انه تذوق طعم الإعجاب بموهبته الفذة أثناء حياته.. فقد حصل بعد تأسيس الفرقة المسرحية التقدمية، على أوسمة اعتراف وإشادة من كبار المسرحيين في الوطن العربي.. فهذه مسرحيته «الحاجز» تهز قلوب النقاد المصريين «د.عبدالقادر القط ونعمان عاشور ود.علي الراعي» وينتشون بابداعه المسرحي، فرحين بهذه النبتة الخضراء في صحراء الخليج. أما حينما قدم مسرحية «على جناح التبريزي وتابعه قفة» من تأليف الكاتب المصري ألفريد فرج في مهرجان دمشق المسرحي، فقد بهر الكتّاب والمخرجين والممثلين العرب.. واعتبرت هذه المسرحية نجمة متلألئة بين نجوم صقر، التي قدمها إلى جمهور مشاهديه في الكويت والعالم العربي.. فمن يستعرض انجازات التجربة الكويتية لابد وأن يستلفت إعجابه ما كتبه وصديقه عبدالعزيز السريع من أعمال تعدّ اليوم من كلاسيكيات المسرح العربي.. وفي المقدمة تأتي «1 2 3 4 بم» و«ضاع الديك» و«شياطين ليلة الجمعة». ? هذا وقد سعدت وأنا أحضر احتفالية مسرح الخليج العربي الأسبوع الماضي، ببروز جيل مسرحي جديد كأنه يحاول المسك بسارية السفينة الغارقة في بحر هائج من عروض المسرح التجاري.. وإنقاذها من الأنماط الثقافية الاستهلاكية القائمة على الإضحاك لمجرد الإضحاك. فهل ما قام به الأستاذ منقذ السريع رئيس مجلس ادارة هذا المسرح الجاد من إخراج لمسرحية «أخبار سمنهرور» بقلم الكاتب التونسي عبدالرحمن حمادي.. هي محاولة حملة احتجاج قادمة على عروض المسرح التجاري؟! لقد وفق كثيراً في اختيار موضوع تراثي - على غرار ما كان يفعله قدوته صقر الرشود - حتى يتمكن من إسقاط هموم المواطن العربي المعاصرة على الفساد الاداري والسياسي الذي ينخر أعصاب أجهزة الدولة الاستبدادية.. عبر تيمات تراثية، لم يخلُ مع الأسف من خطابية تتناقض وفانتازية العرض. لقد أحسست أنَّ هذا الموقف الاجتماعي ليس محصوراً في قلب هذا المخرج الشاب الواعد.. وإنما هو يشمل معظم من استجاب لأداء عرض «أخبار سمنهرور» وبينهم أبرز نجوم المسرح الكويتي «جاسم النبهان وعبدالإمام عبدالله وابراهيم الحربي وعبدالناصر درويش» اضافة إلى أسماء جديدة أراد مسرح الخليج أن يستعيد بها دوره التاريخي الأصيل في تفعيل دور المسرح الاجتماعي والسياسي.. فهل يفلح في استدراج ممثلين وممثلات أصبحوا يهدرون مواهبهم على مسرح العرض والطلب؟! بعيداً عن احترام القيم والالتزام بها فنياً؟! أخشى هنا أن أكون ضد حتمية الأمل التي نادى بها سعد الله ونوس كاتب المسرح السوري ،الذي رحل كما رحل قبله صقر الرشود ورحلت معها مرحلة المسرح الجاد!!