صدقوني أن مشكلات المرور (النقل، السير، الحوادث، الترخيص، المخالفات) لن تجد انفراجاً في المنظور القريب مادام عاشقو الدراسات التنظيرية المفرّغة من النتيجة والمحتوى يتسابقون في اقتراح وتنفيذ دراسات مكرورة ومستنسخة مرة بعد أخرى وعلى عقد ندوات تلوك ذات المفردات وتوصي ذات الاقتراحات والنتيجة (احصد هواء وغمّر ماش) ياجماعة الخير يكفي دراسات ولتاً وعجناً في أمور قد أصبحت في حكم البدهيات، اتركونا من أعذار آليات التنفيذ، دعونا من الانشائيات وتدبيج العبارات المفخمة في الوقت الذي يتساقط فيه الناس صرعى على الاسفلت المرتوي بدماء البشر جراء حوادث السيارات، هل دراسات على شاكلة «تصنف وتوصف عناصر شبكات الطرق واجراء المسوحات الميدانية لتقدير زمن الرحلات ومعرفة درجة خطورة التقاطعات، ثم جرد (هكذا وردت) مشاريع تطوير الطرق وادارة المرور القائمة والمتوقعة (حلوة المتوقعة هذه)، وتوصيف المشكلات المرورية القائمة ثم توصيف الحلول العلاجية التي من شأنها معالجة هذه المشكلات وتوصيف مستوى الحركة المرورية وعناصر الحل المقترح في ضوء التجارب العلمية والعملية وتطوير استراتيجية لتطبيق هذه الحلول..!!» أقول هل كلام إنشائي كهذا ينبئ عن امكانية حل لمرض عضال قد استشرى وحان تدخل مشرط الجراح بعد أن انفتح الجرح منذ زمن وعرف العارف وغير المختص نوع واسلوب العملية الجراحية المطلوبة..؟؟ دعوني أقل لكم بكل صراحة وبعد تجربة طويلة مع أولئك المنظرين الذين تم اشراكهم في دراسة قضايا المرور منذ زمن طويل اعتقاداً بأنهم سيأتون بما لم يأت به الأوائل وبعد أن أعطوا كل الفرص وتم سماع تنظيراتهم حتى وإن كان (بعضها) لا يدخل العقل من أي زاوية ولا يقترب من المنطق المعقول وتم تقديمهم على غيرهم اثناء عقد الندوات والمؤتمرات وكان حرف (الدال) بمثابة جواز المرور السريع لتولي القيام بمشاريع تلك الدراسات (مدفوعة الثمن) التي لم يخرج بها جهاز المرور الا بمزيد من العراقيل ودوشة دماغ صرفت مسؤوليه عن عملهم الجاد في المتابعة الميدانية وفك اختناقات المدن ومتابعة انتهاكات قانون السير والمرور..! ولم نكن نعرف حينها أن (البعض) من اولئك كان هدفه من تلك الدراسات التنظيرية الحصول على متطلبات الترقيات الاكاديمية والضحية كانت قضايا المرور (المبحوثة) التي ظلت ومازالت تدور في حلقات تبدو لانهائية، أرجو أن لايفهم من كلامي هذا أنني ضد الدراسات الملحة تلك التي تزاوج بين النظريات العلمية وبين الواقع المعاش ولكني ضد هذا العك المستمر وهذا الصعود المقصود على اكتاف قضية لا تحتاج منا غير الجدية في التناول والضبط غير المتهاون لمنتهكي الأنظمة وقيام كل جهة لها علاقة بما هو مطلوب منها (تعليم + تدريب + متابعة + عقاب) وكفى الله المؤمنين شر القتال، انما إقحام عبارات ك(استراتيجية، توصيف الحالة، تقويم أداء، توصيف عناصر الحلول، عدم استيفاء المنشآت الحضرية) وغيرها من المفردات المفخمة من أجل اعطاء أهمية للدارس والمدروس هو ما أراه عجزاً واضحاً في ايجاد حلول عملية واضحة قابلة للتطبيق مع أن القضية برمتها قد لا تحتمل مثل هذه الجعجعة التي لا ينتج عنها أي طحن..!! .. كنت قد ساءلت نفسي الأمّارة بكشف كل ماهو غامض فيما لو لم ترصد مبالغ كبيرة لتلك الدراسات فهل سيتسابق الدارسون للقيام بها أم التولي عن المرور وأهله والانصراف لما هو (خير) من ذلك..؟؟ تقول الحكمة (بطن كبير لا يخلق فكراً ثاقباً) وارحمونا لو سمحتم من هذا الدوران الفارغ فإن لا شيء يخرج من لا شيء..!!.