التقى في أبها جمع من العلماء والأدباء والمفكرين والمثقفين السعوديين من الجنسين، ذكوراً وإناثاً في الفترة من 11 - 13 من ذي القعدة 1426ه، الموافق 13 - 15 ديسمبر 2005م، واستعرضوا نتائج الاجتماعات الثلاثة عشر التي عقدها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في جميع مناطق المملكة بدءاً من 15/3/1426ه وحتى 14/10/1426ه، تحت عنوان نحن والآخر: رؤية وطنية للتعامل مع الثقافات العالمية، تلك الاجتماعات التي شارك فيها أكثر من 700 شخص يمثلون مختلف فئات المجتمع السعودي وأطيافه، وناقشوا خلالها مجموعة من القضايا الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الشأن الداخلي، وأكد المجتمعون على أن السعوديين بكل أطيافهم جزء من المجتمع الإنساني الدولي، يشارك المجتمعات الحضارية الأخرى في إحقاقه القيم الإنسانية السامية، ويتعاون مع المجتمعات الأخرى في إعمار الأرض، وأنهم يستمدون ثقافتهم من القيم الإسلامية النبيلة، والأعراف العربية الأصيلة اللتين تقومان على احترام الآخر ومعتقداته، والانفتاح المنضبط المتزن على ثقافته وفكره، كما يؤمنون بأن التنوع الداخلي مذهبياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً سنة كونية وأنه يمثل منطلقاً في التعامل مع الآخر، ولا يجوز استخدامه أداة لاختراق الوحدة الوطنية. وأوصوا باقتراح مشروع رؤية وطنية للتعامل مع الثقافات العالمية على أمل نشرها والتوعية بمضامينها في أوساط المجتمع السعودي، وذلك من خلال برامج عمل تقوم عليها المؤسسات الحكومية والأهلية، مثل: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة والإعلام، والجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة، مثل: الغرف التجارية والجمعيات العلمية ومراكز البحث والمؤسسات الصحفية. وقد ناقش المجتمعون تلك القضايا وأكدوا أهمية صدور هذه الرؤية التي يمكن أن تتحول فيما بعد إلى وثيقة وطنية. وقد اتجه المجتمعون إلى التعبير بأن المقصود ب(نحن) أي: (المواطنون السعوديون) الذين يجمعهم دين واحد هو الإسلام، ووطن واحد هو المملكة العربية السعودية، ولهم آراء وتوجهات متنوعة. والآخر: هو المجتمعات الإنسانية الأخرى بجميع أديانها وحضاراتها وأوطانها. وبناء على ذلك تم التوصل إلى مقترح مشروع رؤية وطنية للتعامل مع الثقافات العالمية، يتمثل بالآتي: أولاً: المنطلقات العامة: 1 - منطلقات إنسانية: وهي منطلقات تلتقي عليها البشرية، وجاء بها دين الإسلام وهي: أ - وحدة الجنس البشري، حيث تجمعهم أخوة النسب الإنساني الذي يرجعون به إلى أبيهم آدم عليه السلام، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً}. ب - الكرامة الإنسانية التي يستحقها الإنسان لكونه آدمياً رجلاً كان أو امرأة، قال سبحانه: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} وبهذه الكرامة يصان دم الإنسان وعرضه وماله ونسبه وحرية ضميره. ج - القيم الخُلقية عدلاً وبراً وإحساناً ووفاءً ورحمة وتسامحاً ورفضاً للغدر والظلم والعدوان. د - جلب المصالح ودرء المفاسد على ألا تكون على حساب حقوق الغير. ه - التعارف والتواصل والتعاون على الحق ونفع الإنسانية، قال سبحانه: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا...} وقال سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوى}. 2 - منطلقات شرعية: تقوم على القرآن الكريم والسنَّة النبوية المطهرة وتعتمد على: أ - الأسس الإيمانية، وعدم قبول ما يناقضها استجابة لأمر الله {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة في أمرهم}. ب - المعاني السليمة للتعاليم الإسلامية المتعلقة بالتعامل مع الآخر مثل: ٭ الولاء: وهو رابطة حب وتناصر نتبادلها مع المسلمين، في مختلف أنحاء العالم، على اختلاف مذاهبهم وفقاً للثوابت الشرعية في القرآن الكريم والسنَّة النبوية. ٭ البراء: الابتعاد عمّا يتناقض مع الإسلام، وعدم التعاون مع أهله عليه، ولا يعني ذلك التعدي على حقوقهم أو عدم التعاون معهم في القضايا العادلة. ٭ الجهاد: وهو بذل الجهد في تحقيق الخير ودفع الشر، علماً أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم، والحرب حالة طارئة شرعها الإسلام لدفع ورفع الظلم والعدوان. ٭ الدعوة: وهي تعريف بالإسلام لزيادة تبصير المسلمين بدينهم، ولبيان ما فيه من قيم إيمانية إنسانية لغير المسلمين. ٭ الجدال بالتي هي أحسن: وهو الحوار بالقول اللين والأسلوب المهذب ومبادلة المحاور بأفضل ما يعاملنا به. ٭ التعاون على البر والتقوى: التعاضد لتحقيق المصالح الإنسانية من خلال منظمات أو اتفاقيات بين الدول والشعوب. 3 - منطلقات وطنية: أ - السعوديون بكل أطيافهم جزء من المجتمع الإنساني الدولي. ب - وأنهم يشاركون المجتمعات الحضارية الأخرى في إحقاق القيم الإنسانية السامية، ويتعاونون معها في إعمار الأرض. ج - وأنهم يستمدون ثقافتهم من القيم الإسلامية النبيلة، والأعراف العربية الأصيلة اللتين تقومان على احترام الآخر، والانفتاح المنضبط المتزن على ثقافته وفكره. د - كما يؤمنون بأن التنوع الداخلي مذهبياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً سنّة إلهية وكونية، وأنه يمثل منطلقاً في التعامل مع الآخر، ولا يجوز استخدامه أداة لاختراق الوحدة الوطنية. ثانياً: التعامل الثقافي: بما أن الثقافة تشمل قضايا الاعتقاد واللغة والقيم والقوانين والأعراف والآداب والفنون التي تتشكل فيها شخصية المجتمع، فإن تعاملنا الثقافي مع الآخر يتمثل فيما يأتي: 1 - تحمل المسؤولية الثقافية التي يمليها موقع المملكة، واحتضانها الحرمين الشريفين، وولاؤها للإسلام. 2 - الإفادة من الخبرات الثقافية الرائدة في مختلف المجتمعات الإنسانية بما لا يمس الهوية الوطنية. 3 - المبادرة في تبني الحوار والمشاركة مع الآخر سواء أكان دينياً أم ثقافياً أم حضارياً. 4 - التفاعل الإيجابي مع المنظمات الثقافية الدولية وفقاً للدين والمصلحة الوطنية. 5 - استثمار جميع قنوات التواصل الثقافي البناء مثل: أ - مواسم الحج والعمرة لتبادل المنافع الثقافية والفكرية مع ضيوف الرحمن. ب - الزيارات واللقاءات المتبادلة بين المؤسسات الحكومية والأهلية ومثيلاتها في العالم. ج - العلماء والمفكرون المنصفون والباحثون عن الحقيقة. د - الملحقيات الثقافية في سفارات المملكة. ه - المؤسسات العالمية التي تحتضنها المملكة مثل رابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومؤسسة الملك فيصل العالمية، والمؤسسات التي تشارك فيها المملكة. و - المعارض والمهرجانات الثقافية والملتقيات الفكرية، والتجمعات الدولية والجوائز العالمية. ز - تبادل وترجمة الإنتاج الفكري والفني والإبداعي في حقول الفكر النافعة. ك - المراكز والمؤسسات العلمية والمجامع الفقهية لدراسة الآخر والتفاعل معه خاصة المراكز المتخصصة بالدراسات الإسلامية ودراسة الشرق الأوسط. ل - تبادل المنح التعليمية وزيارات الطلبة والأساتذة والباحثين، وتسهيل إجراءات دخولهم. م - وسائل الإعلام والاتصال وتقنية المعلومات، والإنترنت. ن - الإعلام العالمي من خلال الانفتاح عليه والتعاون معه بما يخدم التواصل الإيجابي مع الآخر. ثالثاً: التعامل الاجتماعي: بما أن المجتمع السعودي له ثوابته الدينية والاجتماعية، ولا يعني ذلك الانغلاق على الذات والانعزال عن العالم، ومن ثم فإن التعامل الاجتماعي مع الآخر يقوم على ما يأتي: 1 - التعريف بالنظام الاجتماعي الإسلامي في شموليته وعدله للبشرية. 2 - التعاون مع الداعين إلى القيم الإنسانية النبيلة بما يحفظ حقوق الإنسان وكرامته وحريته. 3 - المشاركة في العمل الخيري والتعاون مع المؤسسات الإنسانية الدولية والاستفادة من تجارب الآخرين خارج الوطن. 4 - تحليل الظواهر الاجتماعية السلبية التي تعاني منها بعض المجتمعات بقصد حماية مجتمعنا منها، من خلال تفعيل المؤسسات والمراكز الاجتماعية والتربوية. 5 - التفاعل الإيجابي الدولي مع القضايا الاجتماعية مثل: حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وقضايا الفقر والبطالة والاهتمام بقضايا البيئة من خلال المؤسسات الحكومية والأهلية. 6 - التعاون مع الهيئات والجمعيات العالمية المهتمة بشؤون المرأة في ما يحقق كرامتها ويحفظ حقوقها التي شرعها الله لها، وإزالة العوائق التي تحد من ذلك، وتفعيل تمثيلها في تلك الهيئات والجمعيات. 7 - التوسع في إنشاء مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق المصلحة العامة ويعزز التواصل مع الآخر. رابعاً: التعامل السياسي: الالتزام في العلاقات الدولية بمنهج الإسلام المؤسس على العدل قيمة مطلقة، والتسامح على الوفاء بالعهود والعقود والاتفاقات الدولية، وبناءً عليه فإن التعامل السياسي يقوم على: 1 - الانطلاق من النظام الأساسي للحكم في المملكة في تعاملنا مع الآخر. 2 - التواصل والتعاون مع الآخرين بما لا يمس الوحدة الوطنية. 3 - مركزية القضية الفلسطينية وتحرير القدس ودعم المبادرة العربية للسلام. 4 - التعامل الإيجابي مع الوافدين وتفعيل الأنظمة الوطنية التي تحمي حقوقهم. 5 - دعم إرادة الدول العربية والإسلامية في الحفاظ على الوحدة الوطنية لها، وتلافي مخاطر تفتيتها، وحماية حقوق الإنسان فيها، والعمل على التكامل فيما بينها. 6 - دعوة الدول إلى الالتزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني تجاه مواطنيها والمقيمين على أراضيها ومعاملتهم معاملة إنسانية تحفظ لهم إنسانيتهم وحقوقهم، وتسعى إلى نبذ أي أعمال أو تصريحات عنصرية ضد الإسلام أو المسلمين، ودعوة منظمة المؤتمر الإسلامي لإنشاء جهاز قانوني لحماية الأقليات المسلمة في العالم. 7 - نشر ثقافة الحوار والتسامح بين المجتمعات والشعوب. 8 - تفعيل دور سفارات المملكة وممثلياتها في الخارج بما يعزز التواصل الإيجابي مع الآخرين. 9 - تمكين مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني لتحقيق التواصل مع المجتمعات الأخرى. 10 - استثمار العلاقات الاستراتيجية بالقوى الكبرى لخدمة المصالح الوطنية، وعقد شراكات استراتيجية مع القوى الصاعدة في العالم، وتوعية المواطنين بأهمية هذه العلاقات. خامساً: التعامل الاقتصادي: نظراً لما تحظى به المملكة من ثقل اقتصادي على الساحة العالمية، فإن تعاملنا الاقتصادي مع الآخر ينبغي أن يتم توظيفه لتعزيز التواصل والحوار من خلال: 1 - التأكيد على السياسة النفطية للمملكة بما يخدم المصالح الوطنية ويسهم في تعزيز استقرار الاقتصاد العالمي. 2 - التأكيد على الدور الذي تقوم به الصناديق التنموية السعودية التي تقدم المعونات المالية للدول والشعوب الأخرى والذي يعزز التواصل مع الآخر. 3 - تفعيل دور المؤسسات الاقتصادية المختلفة، كالغرف التجارية والصناعية واللجان الاقتصادية المشتركة في مجال تعزيز التواصل مع الآخر. 4 - تفعيل الاستراتيجية السياحية الوطنية وتنشيط السياحة البينية العربية والدولية، كعنصر هام في التنمية الاقتصادية والتفاعل الإنساني. 5 - العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة وتهيئة بيئة استثمارية محلية ملائمة تشجع هذه الاستثمارات على استيعاب القوى العاملة الوطنية. 6 - العمل على تسريع تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية. 7 - تعزيز التبادل التجاري تصديراً واستيراداً، بما يحقق المنافع المشتركة لجميع أطراف التبادل. 8 - الإفادة من انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، وكذلك عضويتها في المنظمات الاقتصادية الدولية الأخرى على نحو يعزز التواصل مع الآخر. 9 - المشاركة في امتلاك التقنية والعلوم مع شركاء المملكة التجاريين والصناعيين.