هي جريمة في قتل الإنسان وحرية الكلمة، والمبدأ الصحفي وإخلال بأمن لبنان على كل المستويات، ولعل قتل جبران تويني، يضعنا في الدائرة الأكبر في هذا المسلسل، بحيث لا يطغى التعاطف معه على واقع جملة الخروقات، والأخطاء اللبنانية، وإن قلنا إنه راح ضحية جرأته وصراحته من أجل لبنان.. فالأمن الذي هو ساحة الاتهام بالتقصير يمثل بالأهداف والواقع الوضع اللبناني بتنوعاته، أي أن كل طائفة، ومنظمة، وأشخاص نافذين في الداخل لهم ممثلون في هذا الجهاز باستخباراته، وشرطته، وأجهزته السرية، وأيضاً بجانب هذا الاختراق الداخلي يوجد للدول الأجنبية والعربية تمثيل كبير للاستخبارات ومراكز التجسس، وبالتالي إذا كان أهم مركز عصبي يحمي كل اللبنانيين، بهذا الاهتراء، والاهتزاز، فكيف لا تكون الفوضى الأمنية قائمة بما فيها سياسة الانتقام والقتل؟.. بالعودة إلى ماضي لبنان حين كان البلد المزدهر في الساحة العربية المهزوزة، استطاعت مخابرات إسرائيل الدخول إليه علناً، وقتل قيادات فلسطينية في شارع فردان وبعدها وعلى موسيقى الدم عزفت أصوات الطائرات، والمدافع وقناصة البنايات والشوارع في إشعال الحرب الأهلية، وقبل ذلك كله كان كميل شمعون استدعى قوات أجنبية لحماية لبنان من زحف القومية العربية والكثرة الإسلامية الممثلة في لبنان، فكادت أن تكون الحرب الأهلية التي سبقت الأخيرة، لولا المبادرات التي عطّلت آلة الحرب من الانفجار.. لبنان ساحة صراع، وكل من له علاقة مباشرة، أو غير مباشرة بوضعه وتركيبته وحدوده، يطاله الاتهام، لأي سبب، ولذلك فكل ما جرى من اغتيالات يطال العديد من هذه القوى، مما يضيّع الحقيقة وسط دخان السيارات المفخخة، أو تصاعد غبار الأرض المحروقة، وإذا كان اللبنانيون يدركون أن الاغتيال السياسي، هو الأكمل تقنياً، فإن الجريمة تبقى أدواتها ضائعة، إذا كان السبب تشابك العلاقات وتنافرها.. لقد خرج مسؤول لبناني يحلل الجريمة الأخيرة في قتل جبران، وقال إنه قبل أيام، سبقتها محاولة قتل مسؤول كبير في حزب الله، ومع ذلك لم تُثر القضية بنفس الزخم الذي اهتم بالجرائم السابقة، ودعونا من منطق الطائفة، أو تفسيرات جوانب المؤامرات، هل الدعوة لتشكيل جبهة وطنية تؤمن بالمواطنة أمرمستحيل، وهل اللبنانيون هم من مزق الأرض والإنسان وزرع الطائفة وجنى ثمار ذلك بعدم استقرار الأمن واستحالته؟.. مجلس الأمن وقوات الأمن الدولية، والمحاكم، والمراقبون، لن ينقذوا لبنان من أخطائه، فقط أن يصل اللبنانيون بمسؤولياتهم إلى مستوى المواطنة الحقيقية، وإلا فإن أبواب عزرائيل ستكون مفتوحة على كل الاتجاهات والمنافذ..