أصدرت وزارة الاقتصاد والتخطيط مؤخرا خطة التنمية الوطنية الثامنة بعد ولادة متعسرة، لتكون الدليل والموجه للتنمية بجميع أشكالها في المملكة العربية السعودية خلال الخمس سنوات القادمة. والقارئ المتأمل لهذه الخطط الوطنية التنموية منذ أكثر من 30 عاماً يجد مفهوما عميقا لأسلوب التخطيط المنهجي المدروس ووضوحاً في الرؤية التنموية الوطنية الشاملة، ويلاحظ المتابع لخطة التنمية الثامنة شمولية تكاملية لكل القطاعات التنموية مع دراسات مفصلة لكل منها ابتداء من معرفة الاوضاع الراهنة الى دراسة القضايا والتحديات ثم وضع الرؤى المستقبلية وانتهاء بالمتطلبات المالية لكل قطاع. وفي كل مرة يتكرر هذا الموال التخطيطي العميق في الخطة التنموية دون أن نعرف مدى نجاح هذه الشمولية المتكررة في الخطط السابقة، أو حتى مجرد تقييم لتلك الخطط المنتهية ومعرفة القطاعات التي نجحت في تطبيق خططها المرسومة من تلك القطاعات التي لم تحقق ما خطط لها. أو على الأقل تفنيد الأخطاء لكل خطة منتهية ومن ثم محاولة تلافيها. لذا يزداد التساؤل وتطرح الأسئلة : ترى هل كل تلك الخطط الماضية ناجحة؟ وحققت أهدافها المرسومة لها بلا أخطاء؟ أم أن وزارة الاقتصاد والتخطيط لا تعرض سوى الانجازات منها وتتفادى كل معلومة شأنها تدل على تقصير بعض القطاعات في الوصول لأهدافها في الخطط؟ لماذا يتحدث وزير الاقتصاد و التخطيط في مقدمة الخطة الثامنة عن نجاح متواصل للخطط والاستمرارية لهذا النجاح دون التطرق إلى معالجة الأخطاء للخطة السابقة؟ ثم نتساءل لماذا تصدر الوزارة كتاباص عن إنجازات الخطة المنتهية (الخطة السابعة)، وتتجاهل الكثير من التقصير لبعض القطاعات في الخطة؟ إن الجزء الأبرز والأهم في نجاح التخطيط بإجماع المخططين يكمن في متابعة الخطة وتقويمها بدون مجاملات، ثم إبراز أخطائها والتعلم من دروسها. إلا أن هذا الجزء يظل هو الغائب الأكبر عن خططنا التنموية الثماني. وعلى الرغم من أن مهمة متابعة التنفيذ تشمل مهام وزارة الاقتصاد والتخطيط بقرار مجلس الوزراء رقم (1368) وتاريخ 22/8/1396ه (18/8/1976)، وتأكيدات الوزارة في كل مرة بمتابعة البرامج والمشروعات الحيوية الرئيسة، وإعداد تقرير منفصل سنوياً عن هذه المشاريع من ضمن مجموعة تقارير المتابعة السنوية للوقوف على المشكلات التي قد تعترض عملية التنفيذ ومعالجتها أو تداركها. إلا أننا لا نشهد أي تدخلات أو تداركات لتعديل الانحرافات لبعض القطاعات أو حتى الإعلان للوزارة عن هذه المشكلات كما تعلن باستمرار عن الانجازات. إن التقييم الحقيقي لأي خطة يكون بمطابقة الأرقام المنجزة مع الأرقام في الخطة، ومعرفة مدى الانحراف التي تعانيه خططنا التنموية وأسبابه. إننا ومنذ الخطة الأولى وحتى اليوم نعلن على رأس كل خطة هدف رئيس (تنويع مصادر الدخل والتقليل من الاعتماد على مصدر النفط كمصدر رئيسي للدخل) وهانحن على مشارف تطبيق الخطة الثامنة ولا نزال نكرر هذا الهدف، ترى أين متابعة الوزارة عن توضيح الأسباب في فشل تحقيق هدف لمدة تزيد عن ثلاثة عقود. بل أين الوزارة عن متابعة أسباب ترحيل عشرات الأهداف لبعض القطاعات من كل خطة للخطة التي تليها، إضافة إلى مجموعة من القطاعات لا تلتزم بخطط التنمية ولا تحقق أهدافها المرسومة حتى أصبحت خطة التنمية الوطنية لديها لا تتعدى الورق وتسير حسب أهوائها ورؤيتها. إنني لا أجهل مدى الانجازات الذي يتحقق لهذه البلاد في كل خطة بفضله سبحانه ثم بفضل قيادته الحكيمة في إدارة شئون الدولة بنجاح لكل الأزمات التي مرت علينا، ولكن في نفس الوقت علمتنا هذه القيادة الحكيمة على الشفافية والمكاشفة الباحثة عن الإصلاح. بينما لا تزال وزارة الاقتصاد والتخطيط تخفي عيوب خططنا التنموية وتقييمها بشكل دقيق. أم أن للوزارة رؤية أخرى نجهلها!. ٭ متخصص عمراني