في ظل الحرب المستعرة في الشرق الأوسط، هل نستطيع الحديث عن فن العيش قليلا؟ ثم هل نتعلم فن العيش من الفيلسوف المتشائم "آرثر شوبنهاور" الذي يرى الحياة شرا مطلق؟! رغم ذلك وجدنا من يعتبره معلمه الروحي، إنه الروائي والشاعر الفرنسي "ميشال ويلبك" الحائز على جائزة غونكور في الأدب الفرنسي عام 2010م، التهم الروائيون أعماله، مثل الروائي الفرنسي "مارسيل بروست" "غي دوموباسان" "ليوتولستوي" الذي يعد أحد أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر. واهتم الموسيقيون ب"شوبنهاور" منهم على سبيل المثال: الموسيقي الألماني "ريتشارد فاغنر" والروسي "إيغور سترافينسكي" والمُلحن النمساوي "أرنولد شوينبيرغ"، فضلا عن الرسامين، من أمثال الفنان الروسي "فاسيلي كاندينسكي" و"الألماني بول كلي"، بل حتى الفنان الشعبي "تشارلي تشابلن" استوحى الكثير من أفكاره، واستشهد به في فيلمه "السيد فيرد".. كما قال عنه "روغر بول" -مدير العمل الرئيسي المخصص لدراسة تأثير الفيلسوف-: "أحدثت أفكار شوبنهاور ثورة في الإبداعات الفنية منذ بداية القرن التاسع عشر، وحتى مطلع القرن العشرين". حدد "شوبنهاور"، أيضاً هدفاً وجوديا للفلسفة، وأبعد ما يكون عن المشاكل النظرية أو المنطقية، إنّه يأخذ في الاعتبار قضايا، مثل: كيف نعيش؟ كيف ننهي المعاناة ونصل إلى السعادة؟ بدلا من ذلك، لماذا لا نمنح الموت الرحيم لأولئك الذين يعانون؟ وخلافا للاعتقاد الشائع، فإن عدد قليل من الفلاسفة كانوا يرغبون الإجابة علنا عن هذه الأسئلة، من هؤلاء، "شوبنهاور" الذي قرر التصدي لمثل هذه القضايا، حيث لخصها بدون تجميل وهو في السابعة عشرة من عمره، قائلاّ: "إن الحياة مشكلة مُرْهِقة، وأنا قررت تكريس حياتي للتفكير في شأنها".. هذه الرؤية المأساوية أوالمتشائمة للوجود تحمل أثر تاريخه الشخصي، الذي اتسم بالمعاناة وعدم الاعتراف بفضله من معاصريه. ابن التاجر ولد شوبنهاور في مدينة دانزيغ في عام 1788م، وهو ابن تاجر ثري منحه لقبا "أوروبيا"، يتغير قليلا من الناحية الإملائية من بلد إلى آخر، لتسهيل أعماله الدولية في المستقبل. كان يدرس اللاتينية، اليونانية، الفرنسية ،الإنجليزية، والإيطالية، تلقى آرثر الشاب تعليما غير منقوص، ليشبع فضوله المعرفي النهم الذي تحول إلى ثقافة موسوعية في الفلسفة، والدين، والعلم، والفن، وكل مجال اهتم به، كل شيء ما عدا التجارة. في الخامسة عشرة من عمره، قال إنه يخطط لتكريس حياته للفكر؛ مما أثار استياء والده، وحاول هذا الأخير أن يعقد معه صفقة، فعرض عليه السفر معه إلى مختلف أنحاء أوروبا لمدة سنتين، إذا قبل تعلم أصول التجارة الناجحة، ابتداءً من مدينة هامبورغ الألمانية حتى عودتهم، لكن "شوبنهاور" شكر والده على اهتمامه، وكرس نفسه بعد ذلك لدراسة الفلسفة، ليصبح لاحقاً أستاذ في جامعة برلين عام 1820م. طغيان الإرادة الإرادة، هذه هي القوة التي تشكل واقع العالم، والتي يمكن أيضا ترجمتها إلى "الرغبة"، تتميز هذه الترجمة بتجنب الخلط المتكرر مع النية أو"القصد"؛ لأنّه حتى الكائنات المجردة من النية -مثل النباتات أوالنجوم- تخضع لهذا التوجه الأساسي لدى الإنسان، يمكن أخذ الوعي بعين الاعتبار عند دراسة رغباته الأساسية، مثل: الرغبة في العيش والاستمتاع بالحياة، التفكير، المعتقدات، القرارات، الدوافع والأسباب.. كل شيء هو في الأساس يخضع للإرادة، كما لخص ذلك الفيلسوف الهولندي "باروخ سبينوزا" في أخلاقياته، قائلا: "يعتقد الإنسان أنّه حر لأنه واعي لإرادته ورغباته"، ولكنه في حقيقة الأمر لا يستطيع السيطرة عليها، فهو يتصور أنّه أراد شيئا لأنّه جيد، في حين أن العكس هو الصحيح، يعتبره جيد لأنّه يرغب في ذلك، يعتقد "سبينوزا" مثلما "شوبنهاور"، أن الإرادة الحرة وهم.. إنّ التفضيلات السياسية والأخلاقية والدينية أوالعقائدية ليست ثمرة البحث العقلاني المستنير، بل هي ناتجة عن الرغبات والغرائز التي تخرج عن نطاق السيطرة أو كما سماها "دوستويفسكي" "فكر أرضي". في الوقت الذي انتصرت فيه ليبرالية الأنوار في أوروبا، نشر "شوبنهاور" فكرة من شأنها أن تزعج "فرويد" ورواد العلوم النفسية والاجتماعية، وتنص على أنّه: يتم تعريف أوتحديد هوية الأفراد عن طريق شيء ما لا واعي، حتى في مواقفهم، سلوكياتهم، ورؤيتهم للعالم والآخر، بالإضافة إلى إلغائها لحريتنا، فإن طغيان الإرادة يدفعنا إلى رغبة الأشياء التي لا تجلب الارتياح أوالسرور والرضى؛ مما يعني عدم القدرة على تحمّل أعباء الحياة ومواجهة الصعوبات.. يمكن للمرء أن يفعل ما يشاء، لكنه لا يستطيع أن يريد ما يشاء"، حيث يعتقد "شوبنهاور" أن قوة الإرادة بالنسبة للعقل مثلها مثل رجل قوي أعمى، يحمل على كتفيه رجلاً كسيحاً يستطيع أن يرى.