إسرائيل والباكستان هما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان ظهرتا على أساس ديني وعقدي.. ولكن، في حين انفصلت الباكستان كدولة مسلمة مستقرة عرقياً وتاريخياً؛ تأسست إسرائيل من أقليات وأعراق وجنسيات مهاجرة لا يجمع بينها غير الانتماء اليهودي! والمتأمل لحال إسرائيل اليوم يكتشف أنها خليط من سبعين قومية اجتمعت في فلسطين لأمر كان مقضياً مصداقاً لقوله تعالى {فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا} - واللفيف في لغة العرب هو الجمع العظيم الذي تشكّل من أخلاط وجماعات مختلفة.. والمشكلة لا تكمن فقط في تعدد الأعراق والجنسيات بل في أن كل مجموعة تنظر لدولة إسرائيل - وفكرة قيامها في ذلك المكان - من منظورها الخاص.. فاليهود الأرثوذوكس مثلاً لا يزالون ينتظرون نزول المسيح الموعود ولا يعترفون بالدولة ذاتها، واليهود القدرية جماعة مسالمة تؤمن بأن اجتماع اليهود في فلسطين (قدر من الله) سينتهي بمذبحة عظيمة. أما «الصهيونية» فمنظمة سياسية تستغل الإشارات الدينية لتثبت أركان الدولة الحالية.. أضف لهذا توجه تكتلات كثيرة تمثل فرقاً يهوية عريقة منها السامريون والسينون والأبيونيون والماسونيون والقناؤون والفريسيون والكتبة والصديقون والقرّاءون - يعمل من يعيش في الداخل كسفير لمن يعيش في الخارج.. والأكثر غرابة هو وجود منظمات «مسيحية» داخل إسرائيل نفسها تؤمن بقيام الدولة اليهودية تحقيقا لنبوءة الأنجيل في عودة المسيح (وتحويل الحملان الضالة إلى حظيرة النصرانية).. ومن هذه المنظمات منظمة العودة الثانية التي تؤمن بنزول المسيح (لثاني مرة) وسارعت لوضع كاميرات تراقب نزوله عام ,2000. كما توجد منظمة العهد القديم التي تؤمن بأن إسرائيل هي المكان الذي سيظهر فيه «ملك الملوك» المنحدر من سلالة داوود والذي على يديه سيتحول العالم إلى النصرانية الحقة - بعد قتل جميع الكفار في معركة هيرمجدون النهائية.. وتأسيسا على هذا الخليط الغريب تشكلت في إسرائيل سفارات - وبعثات ديبلوماسية - قد لا تجدها في أي دولة عالمية أخرى.. ويقدر أن إسرائيل تضم حاليا 72 سفارة لمنظمات دينية وغيبية وطائفية ترتبط بطريقة أو بأخرى بالثقافة التوراتية، وهي تعامل كسفارات ديبلوماسية كاملة الأهلية كونها تمثل قطاعات كبيرة تعيش في الخارج.. فهناك مثلاً سفارة يهود القوقاز، وسفارة شهود يهوة، وسفارة العودة الثانية، وسفارة الصهيونية العالمية، وسفارة القبيلة الثانية عشرة (وهي منظمة أخذت على عاتقها البحث عن القبيلة اليهودية التائهة في شرق آسيا واعادتها لإسرائيل).. أما آخر المنظمات التي طلبت بناء سفارة لها في إسرائيل فهي منظمة «الرائيليون» (التي رفض شارون طلبها لثالث مرة في الأسبوع الماضي).. وكانت هذه المنظمة (Raelian) قد أثارت ضجة كبيرة حين ادعت في ديسمبر 2002 نجاحها في استنساخ أول طفلة في التاريخ. ثم أعلنت بعد أسبوع تأسيس شركة استنساخ خاصة بها في هولندا تدعى (كلونيد) ادعت أنها بدأت في استنساخ البشر.. ويعود تاريخ هذه المنظمة الغريبة الى عام 1973 حين ظهرت على يد طبيب فرنسي يدعى كلاود فور هون وأصبح لها اليوم فروع في 92 دولة حول العالم.. وفي ذلك الوقت ادعى فورهون أنه قابل مخلوقات فضائية متطورة قدمت من كوكب بعيد ادعت أنها زارت الأرض قبل 25 ألف عام وزرعوا فيه بذرة الحياة، كما أخبروه أنهم بدأوا الحياة البشرية على كوكب الأرض من خلال استنساخ أربعة أشخاص على صورتهم، وادعى كلاود حينها أنهم كلفوه بتكرار هذه المهمة (واستنساخ) نوعية جديدة من البشر أقل عنفاً ودموية - وغيروا اسمه من كلاود إلى رائيل.. ويقول كلاود - أو رائيل - إن هذه الكائنات أخبرته بأنهم لن ينزلوا إلى الأرض ويختلطوا بالبشر ما لم يتوقفوا عن الحروب ويوحدوا جميع دياناتهم وخلافاتهم الطائفية.. وعلى هذا الأساس تحاول بعثة المنظمة في إسرائيل انشاء ما دعته (سفارة السلام) للعمل على توحيد الديانات الثلاث - الأمر الذي لم يرق لحكومة شارون، ويدعي مندوب المنظمة في القدس «كوبي كروني» أن لبنان وافق هذا العام على افتتاح سفارة للرائيليين في بيروت في حين تماطل إسرائيل في افتتاح سفارة في القدس من شأنها توحيد الديانات واعادة الرائيليين للأرض.. .. ما يبدو لي أن إسرائيل اكتفت من فكرة «العودة» ذاتها!!!