في كل وقت كان يُسأل فيه الرئيس بوش علناً خلال الشتاء المنصرم عن احتمال تأجيل أول انتخابات عراقية منذ الإطاحة بصدام حسين كان الرئيس ينفي بصراحة وبشدة مثل هذا الاحتمال ويؤكد بان إدارته مصممة وعازمة على نحو راسخ في المضي قدما في إجراء الانتخابات. ولكن في داخل البيت الأبيض فان فريق الرئيس بوش كان راسخا بالفعل ولكن بمعنى آخر حيث إن المسؤولين يعترفون الآن بان نقاشا ساخنا كانت تدور رحاه بين كبار مستشاري الرئيس حول تأجيل انتخابات الثلاثين من يناير الانتقالية على أمل أولا من كبح جماح التمرد المسلح المضطرم وجلب فئات أخرى إلى الطاولة. وقال مستشار الأمن السابق جي. هادلي متذكراً : كان هنالك نقاش جيد أمام الرئيس وانه كان سرياً للغاية وإذا كان قد حدث إجماع بشأنه فإنني لا اعرف كيف كان سينتهي الأمر. وفي نهاية المطاف لم يتم الإجماع على ذلك الأمر غير أن الرئيس بوش اختار التمسك بإجراء تلك الانتخابات بما فيه من تكلفة وفوائد في الوقت الذي كانت فيه الولاياتالمتحدة تجاهد من اجل إيجاد حكومة ديمقراطية في العراق من القاع. وعندما نقل بول بريمر السيادة العراقية في يونيو عام 2004 ترك خلفه وثيقة مكتوبة بمواعيد نهائية لصياغة دستور وتشكيل حكومة تلك الوثيقة والتي تبلغ ذروتها يوم الخميس بانتخابات أخرى لتشكيل برلمان دائم. ووفقا لرؤية عدد كبير من مستشاري الرئيس فان قصة مسيرة الثمانية عشر شهرا التي تم كشف النقاب عنها بعد مغادرة بريمر لبغداد كانت احد شواهد صحة ودقة تلك الوثيقة. وانه في الوقت الذي يرفض فيه الرئيس بوش تحديد جدول زمني للانسحاب العسكري من العراق فانه يتمسك بشدة بالجدول الزمني السياسي لبريمر بالرغم من تخوف العاملين معه بشأن العنف المستمر على الأرض وتضرر العرب السنة. ودفعت ديمقراطية الموعد النهائي للرئيس بوش المسيرة السياسية في العراق إلى الأمام ويبدو أنها على وشك إيجاد حكومة جديدة بشرعية مكتسبة من صناديق الاقتراع وان طريقته أثمرت عن دستور يوصف كثيراً بأنه من اكثر الدساتير ديمقراطية في العالم العربي غير انه بالمضي قدما دون قبول من السنة فان فريق الرئيس بوش قد اخفق في إيجاد وفاق عراقي تسعى إليه كافة المجموعات الرئيسة في العراق حيث إن ضمان تحقيق استقرار طويل الأمد في العراق يتطلب اجتذاب عناصر سنية مهمة قريبة من عناصر التمرد المسلح إلى العملية السياسية حسبما قال لاري دايموند من جامعة ستاندفورد والذي سبق وان نصح السلطات الأمريكية في العراق. ولم تكن وثيقة بريمر على الإطلاق خيار الإدارة الأمريكية الأولى ولكنها كانت عوضاً عن ذلك حلاً وسطاً فرضته حقائق سياسية قوية وسرعان ما حددت تلك الوثيقة مجموعة من الأهداف بدءاً من انتخابات يناير الانتقالية تبعها صياغة الدستور في أغسطس واستفتاء للموافقة عليه في أكتوبر، والآن انتخابات الأسبوع الحالي. وتمسك الرئيس بوش مرة أخرى بالموعد النهائي كما سبق له فعل ذلك وطبقا لما قاله هادلي فانه ابلغ مستشاريه بأنه يتعين الحفاظ على الموعد النهائي لحمل الأطراف المعنية على اتخاذ قرارات صعبة للتوصل إلى حل وسط. ويعتبر إجراء الاقتراع في مدينة الفلوجة المضطربة مؤشرا لحدوث تحول في الرياح السياسية حيث سيتم افتتاح الانتخابات يوم الخميس بإشراف مواطنين سنة ، خلافا لما حدث في انتخابات يناير حيث كان هنالك قليلون راغبون في المشاركة في تلك الانتخابات في المدينة التي كانت منطقة انطلاق مبكر للتمرد المسلح مما تطلب وقتها جلب عاملين في الانتخابات من مناطق أخرى . وفي هذه المرة فان مسؤولين عراقيين وأمريكيين يتوقعون مشاركة ملحوظة في الانتخابات فرابطة علماء المسلمين والتي دعت الناس لمقاطعة انتخابات يناير تحث الآن اتباعها على المشاركة في الانتخابات المرتقبة وان هناك مسؤولين أمريكيين متفائلين بالمرحلة الأخيرة من وثيقة بريمر. وقال وكيل وزارة الدفاع السابق دوغلاس فيث الذي يعتبر مهندسا رئيسا في حرب العراق إن العملية السياسية لم تكن مثالية غير أن الرئيس بوش كان محقا وصائبا تماما في التمسك بالجدول الزمني مبينا أن ذلك كان ينطوي على بعض المخاطرة غير انه اتضح بأنه سجل نجاحا كبيرا. ومع ذلك فان الانتخابات التي يفترض أن تضع نهاية للتحول العراقي لن تكون الأخيرة فان عاقبة التمسك بالبرنامج المحدد للمواعيد بدون موافقة السنة سيؤدي إلى سنة أخرى من المساومة حيث سيتم تأجيل بحث القضايا الأكثر إثارة لخلافات الفئات العراقية حتى تبدأ الحكومة الجديدة تعديلات الدستور وإذا كان هنالك اتفاق فسوف يتوجه العراقيون مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع حيث إن الاقتراع على الدستور المراجع جزء من تسوية غير أنها ليست جزءاً من وثيقة بريمر. ٭ ( واشنطن بوست)