في ساحة الشهداء بوسط بيروت تظهر 11 صورة معلقة على حائط خشبي مئات الآلاف من المتظاهرين المناهضين لسوريا والذين غصت بهم شوارع المدينة عقب اغتيال رئيس الوزارء الاسبق رفيق الحريري في فبراير - شباط الماضي. وتقف الصور التي تبعد امتارا قليلة عن ضريح الحريري شاهدة على فورة الغضب التي اجتاحت الشارع اللبناني ووصفتها الولاياتالمتحدة الامريكة «بثورة الارز» والتي ادت إلى انسحاب سوريا من لبنان بعد وجود عسكري دام 29 عاما. ورغم ان نورا مراد شاركت في التظاهرات على مدى 40 يوما قبل الانسحاب السوري في ابريل نيسان فانها لا تستطيع النظر إلى الصور الآن دون الشعور بالمرارة. وقالت مراد لرويترز «في ذلك الوقت شعرت اننا نصنع التاريخ لا كمن يقرأ عنه في كتب المدارس ولكن عندما امر بالمكان الآن اشعر بالضيق». تفجر المظاهرات كان بسبب اتهام العديد في لبنان سوريا بضلوعها في اغتيال الحريري وهو زعم تنكره دمشق بشدة علما ان تقريرا مؤقتا صدر في أكتوبر- تشرين الاول من قبل كبير محققي الاممالمتحدة ديتليف ميليس خلص إلى ان تفجير الشاحنة التي قتلت الحريري و22 آخرين يوم 14 فبراير- شباط خطط له مسؤولو امن سوريون كبار في دمشق مع حلفائهم اللبنانيين. واضافت مراد وهي ناشطة سياسية «من الجيد ان الصور لا تزال موجودة لتثبت اننا كنا هناك... اشعر كأننا رجعنا الف خطوة إلى الوراء منذ ذلك الحين». وبالنسبة للكثيرين من امثالها شكلت المظاهرات التي شهدت مشاركة الاف من خصوم الحرب الاهلية السابقين يقيمون في خيام معا ويطالبون بالوحدة الوطنية فرصة نادرة للتخلص من السياسات الطائفية التي اذكت الحرب الاهلية بين عامي 1975 و1990 وعطلت الاصلاحات منذ ذلك الحين. غير ان ما حدث بعد ذلك كان نداء للاستيقاظ. فلم يكد يمضي وقت طويل على الانسحاب السوري حتى ظهرت تصدعات في الائتلاف الفضفاض الذي نظم المظاهرات بانسحاب ميشيل عون احد الزعماء المسيحيين الموارنة في لبنان بسبب خلاف حول تحالفات الانتخابات العامة في مايو ايار ويونيو - حزيران. تلك التحالفات وصفتها هيئة انترناشيونال كرايسس جروب في تقرير صدر مؤخرا بانها انتهازية. وقال التقرير «تشكلت تحالفات انتهازية جديدة تبنى من خلالها مؤيدو سوريا وخصومها قضية انتخابية مشتركة بهدف الدفاع عن مصالحهم المتأصلة». واضاف التقرير «الانتخابات التي كان المقصود منها ان تكون بداية الاصلاح اعادت للذاكرة قوة الطائفية والوضع الراهن». ورغم ان الانتخابات كانت الاولى دون وجود لقوات سورية في لبنان منذ نحو ثلاثة عقود فان قانونا انتخابيا وضع بحماية حلفاء دمشق لانتخابات عام 2000 ادى إلى قيام تحالفات غير طبيعية بين حلفاء سوريا ومنتقديها. وادى ذلك إلى ظهور انقسامات بعد فترة وجيزة وهدد بتعطيل اصلاحات سياسية واقتصادية مهمة. كما زادت موجة انفجارات عصفت بالعاصمة من حدة الضغط على الحكومة لرأب الصدع بعد تعاظم المخاوف من ان تنزلق البلاد نحو الفوضى. واضافت مراد التي تدرس للحصول على درجة الماجستير في الشؤون الدولية في الجامعة الامريكية اللبنانية «الانتخابات خربت القصة. الكل اراد النصيب الاكبر من الكعكة. شعارات الوحدة الوطنية كانت ضحكا على الذقون». حتى الطلبة احد اهم المجموعات في المظاهرات المناوئة لسوريا انقلبوا على بعضهم عندما اشتبكت مجموعات طلابية مرتبطة بالاحزاب السياسية خلال انتخابات اتحاد الطلاب في عدد من الجامعات مما جسد المناخ السياسي المتوتر في البلاد. كل ذلك دفع البعض للقول بان عقد الآمال على بداية حقبة جديدة من الوحدة الوطنية لم يكن واقعيا في مجتمع تندر فيه الاحزاب العلمانية وحركات المجتمع المدني المؤثرة. ويقول عبد الرحمن زعزع (29 عاما) وهو مهندس ميكانيكي «كان هناك اجماع على رفض الوجود السوري ولم يكن هناك توافق على اي شيء آخر». واضاف «في بلد مثل لبنان هذا لا يكفي لبناء مشروع وطني». غير ان المحلل السياسي اسامة صفا رأى ان دور الناشطين العلمانيين في المظاهرات المناوئة لسوريا كان هامشيا. وقال «القوة التنظيمية وراء المظاهرات كان الاحزاب الطائفية التي لديها اجندة سياسية معينة مثل الانسحاب السوري. هم لم يتحدثوا عن غد ديموقراطي جديد». واضاف «الشباب العلماني وشباب المجتمع المدني لم يكن لديهم خيار غير المشاركة ولكن ما املوه كان غير واقعي إلى حد ما. لقد كانت ثورة ناقصة بالنسبة لهم». ولكن في شقة متواضعة بالقرب من وسط بيروت تتخذ منها الجمعية اللبنانية من اجل ديمقراطية الانتخابات مقرا لها تبدي دورين خوري قدرا اكبر من التفاؤل مشيرة إلى تقدم بطيء ولكنه منتظم. وتقول خوري وهي المديرة التنفيذية للمنظمة غير الحكومية التي تراقب الانتخابات المحلية «هناك فرصة ذهبية لمؤسسات المجتمع المدني لتنظيم حملة ضد الطائفية». واضافت خوري التي جلست وخلفها صورة للصحفي سمير قصير المناوئ لسوريا الذي قتل في يونيو حزيران «سياسيونا يلزمهم المزيد من الوعي السياسي ولكن الامور تتحسن تدريجيا. فللمرة الاولى لدينا رئيس وزراء لم تعينه سوريا». كما عددت مراد وهي عضو في مجلس ادارة الجمعية عدة دلائل اخرى على النمو البطيء للوعي الديمقراطي.. منها مطالبة عدد من النقابات المهنية للجمعية لمراقبة انتخاباتها وقيام مجموعات علمانية مستقلة في عدد من الجامعات. وقالت «لا يمكنني ان اكون متشائمة كليا. حملتنا استهدفت تحقيق ما هو غير ممكن كي نتمكن نحن من تحقيق ما هو ممكن».