قبل أيام معدودة على تقديم رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس تقريره إلى مجلس الأمن الدولي بداية الأسبوع المقبل، تزايدت حمى المواقف اللبنانية التي تتكهن بموقف قوي للجنة التحقيق حيال التعاون السوري مع اللجنة إلى درجة تنامي الحديث عن تمني ميليس على السلطات السورية توقيف كل من مسؤوليها الأمنيين رستم غزالي وجامع جامع، بالتزامن مع الإعلان عن التقرير. لكن الزعماء والقادة اللبنانيين عمدوا إلى الاستفاضة إعلامياً في هذا المجال بعدما أدى الهجوم الإعلامي والسياسي الذي تلجأ إليه سوريا منذ مدة ومن ضمنه تقديم شهود من أجل الطعن بصدقية لجنة التحقيق وعملها إلى إثارة مخاوف اللبنانيين من سعي سوري إلى استعادة موقف نفوذ قوي ومؤثر في لبنان من طريق النقض الكلي لنتائج التحقيق وإظهار بطلانه. فعمد هؤلاء إلى موازنة التصريحات والمواقف الصادرة عن المسؤولين السوريين خصوصاً تلك التصريحات الاستفزازية لوزير الخاجية السوري فاروق الشرع والتي كان آخرها في القاهرة حيث اعتبر أن هناك لبنانيين يسعون إلى تدويل الأزمة اللبنانية، بتصريحات ترد الكرة إلى الملعب السوري وتعيد الثقة إلى اللبنانيين من أجل حضهم على عدم التأثر بمحاولات سوريا زعزعة إيمانهم بأهمية ما حصل حتى الآن في لبنان. ويندرج في هذا الاطار انتقادات وجهها عدد كبير من النواب والسياسيين إلى المواقف الأخيرة للشرع كما تندرج في الاطار نفسه زيارة مفاجئة قام بها رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط إلى بكركي حيث التقى البطريرك الماروني نصرالله صفير، إذ أعلن بعد اللقاء ثقته بمستقبل لبنان. وفي إشارة مطمئنة إلى أن رفض ميليس التمديد له على رأس اللجنة القضائية الدولية لن يترك اثاراً سلبية على التحقيق أو على نتائجه التي تطعن فيها سوريا قال جنبلاط إن التحقيق سيتم استكماله وستظهر مفاصل جديدة فيه من شأنها أن تشدد الطوق الدولي على القتلة وسينهارون الواحد تلو الآخر. هذا الموقف لجنبلاط يكتسب أهميته من زاوية وضع الأمور في شأن التحقيق في نصابها وتبديد أي مخاوف حول احتمالات تراجعه مما قد يترك أثراً سلبياً بالغاً على لبنان، إلا أن زيارته لبكركي تلقى استحساناً من زاوية تقوية أواصر الصلة بين الأفرقاء الداخليين مما يعكس بدوره أملاً كبيراً لدى اللبنانيين في ظل مخاوف تثيرها الانقسامات في مجلس الوزراء حول موضوع المحكمة الدولية التي لا يزال التحالف الشيعي الذي يضم حركة امل وحزب الله على موقفه الرافض لها. ومن شأن الانفتاح على الفريق المسيحي ان من جهة زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مطلع الاسبوع الجاري للجنرال ميشال عون او من جهة زيارة جنبلاط لبكركي ولاحقا لعون ان تخلق جوا جهد التحالف الشيعي في محاولة تبديده في الايام الاخيرة من دون جدوى، ومفاده ان هذا التحالف وحده هو الذي يقف عقبة في وجه المحكمة لاعتبار اساسي غير معلن صراحة على السنة اركان هذا التحالف وهو ان الموافقة على مبدأ انشاء محكمة دولية يعني اقرارا علنيا وصريحا بصحة ما اورده ميليس في تقريره لجهة الاشتباه بمسؤولية سوريا في عملية اغتيال الحريري، وهو امرلا يزال التحالف يشكك فيه في الواقع ولو انه تضامن مع الحكومة ازاء المهمة التي تقوم بها لجنة التحقيق. لكن جنبلاط وقبله السنيوره لن يضع هذه الزيارة في اطار الالتفاف على موقف التحالف الشيعي وهو الذي يسعى إلى ردم الهوة بينه وبين تيار المستقبل علما ان جنبلاط يقف بشدة إلى جانب تأليف محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري.