في الوقت الذي انشدت الأنظار إلى فيينا حيث تستجوب لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري المسؤولين السوريين الخمسة الذين طلب القاضي الألماني ديتليف ميليس اعادة اسجوابهم خارج الأراضي السورية تمهيدا للتقرير الذي سيرفعه هذا الأخير مطلع الأسبوع المقبل إلى مجلس الأمن الدولي، تفاعلت في بيروت قضية المقابر الجماعية التي اكتشفت في عنجر بالقرب من المراكز السابقة للاستخبارات السورية في لبنان. وبالتزامن مع هذه التطورات استمرت في التفاعل التجاذبات السياسية حول قضية تأليف محكمة دولية في ظل مواقف للأكثرية النيابية تؤكد على خيارها في هذا الإطار في حين يرفض التحالف الشيعي الذي يضم حركة «امل» و«حزب الله» المحكمة الدولية بذريعة التوقيت غير المناسب لذلك. وقد استهل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة سلسلة لقاءات مع القادة والمسؤولين من اجل التوفيق بين الآراء المختلفة في هذا الإطار وتأمين اجماع وطني حول المحكمة الدولية فتناول الغذاء امس على طاولة زعيم المعارضة رئيس تكتل الاصلاح والتغيير العماد ميشال عون علما انه سبق لعون ان ايد في حديث صحافي الأسبوع الماضي طلب انشاء محكمة دولية من اجل محاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الحريري. ومع ان السنيورة يغادر لبنان غدا للمشاركة في اعمال القمة الإسلامية فإن مصادر حكومية قالت انه سيتابع لقاءاته مع الآخرين حين عودته علما ان نوابا من الغالبية النيابية يعتقدون انه قد يكون من الملائم انتظار التقرير الذي سيقدمه ميليس الاسبوع المقبل لكي يبنى على الشيء مقتضاه. ذلك انه قد يورد في تقريره نتائج التحقيق مع الامنيين السوريين بما يمكن ان يطرح موضوع تأليف محكمة دولية بسرعة او يؤخرها إلى مرحلة اخرى وفقا للخلاصات التي سينتهي اليها. لكن هذا لا يمنع تصاعد التوتر الخلافي بين فريق الغالبية النيابية برئاسة النائب سعد الحريري بالتحالف مع رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط في مقابل التحالف الشيعي الذي يجد نفسه وحيدا دون سائر الافرقاء في رفض المحكمة الدولية مما يتسبب له بحرج داخلي يظهره، إلى جانب حلفاء سورية الآخرين المعلنين كالحزب القومي وحزب البعث وشخصيات موالية لسورية، في موقع يتناقض مع تأييده للجنة التحقيق من جهة كونه احد ابرز الشركاء في الحكومة بالتزامن مع رفضه الاقرار بالخلاصات الذي انتهى اليها ميليس في تقريره. مما فسرته مصادر في بيروت ان التحالف الشيعي يخشى من خلال التسليم بتأليف محكمة دولية الاقرار على نحو غير مباشر بوجود متهمين سوريين في الجريمة هم السبب في اللجوء إلى محكمة دولية والا فإن المحكمة اللبنانية كافية لمحاكمة المتهمين اللبنانيين. وقد واصل التحالف الشيعي حملته على انشاء محكمة دولية في حين كان النائب سعد الحريري يطلق عبر ندوات شارك فيها في الخليج في اليومين الماضيين عدم تراجع كتلته عن المطالبة بمحكمة دولية في تلويح مباشر ل«حزب الله» ان الضمانة التي وفرتها الاكثرية لسلاح الحزب تستحق في المقابل ان تشكل ضمانا لهواجس التكتل الشيعي ودافعاً له لدعم المطالبة بتأليف محكمة دولية. وقالت مصادر عليمة ان جنبلاط وفريقه الذي زار الممملكة العربية السعودية في اليومين الماضيين والتقى النائب الحريري سينقل إلى التحالف الشيعي اجواء اللقاء مع الاخير ويعمل على صيغة توفيقية تجمع بين الآراء المتضاربة علما ان جنبلاط من اشد المطالبين بتأليف محكمة دولية وهو كان اول المطالبين بها. لكن جنبلاط شكل في الآونة الاخيرة صلة الوصل الرئيسية المهمة في تليين المواقف بين تيار المستقبل برئاسة الحريري و«حزب الله». وتخوفت مصادر نيابية في بيروت ان يعلو الضجيج في شأن موضوع المحكمة في اليومين المقبلين من اجل تحجيم الاهتمام بالمقابر الجماعية التي اكتشفت في عنجر والتي يجمع الكثيرون على انها تضع القيادة السورية في الزاوية مجددا خصوصا في حال استمر سعيها إلى التأثير سلبا في الوضع اللبناني على ما يحصل منذ اشهر. ومع ان الحكومة اللبنانية لم تعلن موقفا من الكشف على هذه المقابر ولم تلق بالمسؤولية على احد فيها بعد فإن ضغوطاً محلية عدة متوقعة على الحكومة من اجل توظيف هذا العنصر في وجه الضغوط التي تمارسها سورية ماديا ومعنويا على لبنان، علما ان هذا الملف خطير وربما يفتح الاوضاع على افق غير متوقعة ويدفع إلى فتح تحقيق دولي فيها في وقت لاحق كما بدأ يطالب البعض.