كشفت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي عن مشاورات تقودها بلادها مع حركتي الهلال والصليب الأحمر تتعلق بالالتزام التام لاحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي. ويأتي حديث السيدة ميشلين في ظل قلق دولي متصاعد حول ما تردد عن وجود سجون سرية تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.اي.يه) في شرقي أوروبا ونقلها سراً معتقلين عن طريق الجو عبر مطارات في دول الاتحاد الأوروبي. وقالت رئيسة الدبلوماسية السويسرية في حديث ل «الرياض» ان سويسرا تتابع العمل على تعزيز احترام اتفاقية جنيف التي تضمن حقوق الإنسان والقانون الدولي لافتة إلى أن بلادها حريصة على تطبيق الاتفاقية واحترامها بصفتها المؤتمنة عليها. وبخصوص رفض (اسرائيل) لكافة مقررات الشرعية الدولية والاستمرار في بناء الجدار الفاصل أوضحت ان سويسرا رفعت تقريراً للجمعية العمومية للأمم المتحدة يطالب إسرائيل احترام القانون الدولي. ووصفت المسؤولة السويسرية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بالخطوة التاريخية في مسيرة تحقيق السلام بمنطقة الشرق الأوسط. وفيما يلي نص الحوار: ٭ يرتبط العالم العربي وسويسرا بعلاقات وثيقة منذ زمن.. ما الأوليات التي تحرصون على تفعيلها في هذا الاطار؟ - ان سويسرا مهتمة كثيراً بتطور علاقاتها مع العالم العربي، والروابط الموجودة أصلاً عميقة ومتعددة الأوجه في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية. ويمكن لها ان تزداد تطوراً. ان سويسرا مهتمة كثيراً بالحوار بين الحضارات الذي من شأنه تعزيز التفاهم المتبادل بين العالمين الغربي والعربي. وعلاوة على ذلك فإن سويسرا بصفتها دولة حيادية ومؤتمنة على اتفاقيات جنيف، فإن الصراعات في هذه المنطقة من العالم تشغلها كثيراً وهي حريصة على المساهمة في ايجاد تسوية سلمية كحرصها على تخفيف معاناة شعوب هذه المنطقة وتعزيز احترام حقوق الإنسان. وجهود سويسرا هذه تتوازى مع اهتمامها في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال التعاون الاقتصادي والتنموي ومن خلال الاستثمار المرتبط بنقل التكنولوجيا ومن خلال التبادل التجاري للسلع والخدمات. ٭ فيما يتعلق بالصراع في منطقة الشرق الأوسط، لقد اطلقت سويسرا مبادرة جنيف حسب رأيكم ما الدور الذي تلعبه هذه المبادرة في مفاوضات السلام؟ - لقد قررت حكومتي تسهيل اعداد اتفاق مبادرة جنيف لأنها تعدها ذات أهمية كبرى في تمكين شعوب كلا الطرفين المشاركة في النقاش لايجاد حل لهذا الصراع المرير والطويل الأمد. لقد وضعت مبادرة جنيف كلا الشعبين في موقف يمكنه من فهم الكيفية التي سيكون عليها الحل والتنازلات التي ستترتب على التسوية السلمية. لقد كنا على اقتناع، كما هو حال أصحاب المبادرة بالدور الهام الذي يلعبه المجتمع المدني في جعل هذا النقاش ممكن الحدوث. لقد ساهمت مبادرة جنيف في كسر الجمود المسيطر لحظة نشرها، إذ اجبرت صانعي القرار على ترك التركيز على ادارة الأزمة والاتيان باقتراحات ايجابية. يعتبر اتفاق جنيف اليوم مرجعاً وعلامة بارزة لتقويم جميع الاقتراحات المستقبلية كما كان له دور في تجسيد رؤية قيام دولتين. ٭ لانزال في ميدان الصراع في منطقة الشرق الأوسط: كيف ترون الانسحاب الإسرائيلي من غزة في ضوء استمرار سيطرة اسرائيل على المنشآت الحيوية كالمطار والبحر والمعابر؟ - ليس هناك أدنى شك في ان الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ومن بعض أجزاء الضفة الغربية يشكل خطوة تاريخية في مسيرة السلام الذي سيؤدي إلى تحقيق رؤية دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن. يعد الانسحاب سابقة مهمة، قدمت الدليل على امكانية حشد الأغلبية اللازمة ديمقراطياً لهذه الخطوة. التحدي الذي يواجهنا الآن هو في ان نضمن سريعاً ان يشكل الانسحاب نجاحاً بالنسبة للفلسطينيين من حيث تحسين وضعهم الاقتصادي. من الأساس والمُلح ان يرى الشعب الفلسطيني سريعاً دلائل ملموسة على ان استراتيجية الرئيس عباس المناهضة للعنف قد بدأت تؤتي ثمارها. وحتى يتحقق ذلك، يجب على كافة الأطراف، سواء اكانت السلطة الفلسطينية أم اسرائيل أم المجتمع الدولي، ان تتحمل مسؤولياتها حتى يتمكن السيد جيمس وولفنسون، المبعوث الخاص للجنة الرباعية للشرق الأوسط من انجاز برنامج الاصلاح الاقتصادي بنجاح. ٭ على صعيد الحالة العراقية هل تعتقدون ان النموذج الفدرالي السويسري يمكن تطبيقه في العراق؟ - لسويسرا تاريخ عريق في الفدرالية وهي حريصة على تقاسم خبرتها تلك مع الدول الأخرى. ومع ذلك فإنه ليس مرغوباً أو واقعياً نسخ نظام سياسي بالكامل. بل على العكس من أجل تحديد بنيان سياسي قابل للتطبيق ومقبول من قبل الشعب فمن المهم لكل دولة ان تحدد أنظمتها الخاصة المتوافقة مع حقائقها. وفي هذا المجال، تعد تجارب الدول الأخرى قيّمة ومصدر إلهام. ولهذا السبب، فقد كان لقاء تبادل الآراء الذي تم بين خبير سويسري ولجنة الدستور في العراق مثمراً رغم قصره. ٭ ما البرامج الثنائية أو المتعددة الأطراف التي اعدتها سويسرا لتعزيز التنمية البشرية والاقتصادية في الشرق الأوسط؟ - كانت سويسرا فعالة ولسنوات عديدة في هذه المنطقة في المجالات الاقتصادية والتعاون التنموي والأمن الإنساني وبناء السلام والعون الإنساني. ٭ يرى المراقبون ان البرلمان السويسري لا يشارك بفعالية في السياسة الخارجية السويسرية. هل ترون ان الانضمام المحتمل لسويسرا إلى الاتحاد الأوروبي من شأنه ان يؤدي إلى تقليل أهمية البرلمان السويسري في هذا المجال؟ - يشارك البرلمان السويسري فعلاً في السياسة الخارجية لسويسرا. وبموجب الدستور الفدرالي السويسري يشارك البرلمان الفدرالي في صياغة السياسة الخارجية والاشراف على العلاقات الخارجية والموافقة على العديد من الاتفاقيات الدولية. وبالاضافة إلى الاشراف عن بعد على السلطة التنفيذية ممثلة بالمجلس الفدرالي السويسري، للبرلمان السويسري مهام على درجة من الأهمية في رسم السياسة الخارجية لبلادي. ومن المعروف ان الدول التابعة للاتحاد الأوروبي تلتزم بالطبع بسياسة خارجية أمنية مشتركة من شأنها التأثير على دور سلطاتها الوطنية في هذا المجال، حكومة كانت أم برلماناً هذا من جهة، ولكن من جهة أخرى ان دول الاتحاد الأوروبي هي التي تشارك في رسم هذه السياسة الخارجية الأمنية المشتركة. ٭ كيف تواجه الحكومة الفدرالية التوجه الاتحادي في أوروبا؟ - نتابع سياسة التقارب البراغماتي العملي. فبفضل جولتين من المفاوضات الثنائية تمكنا من التوصل إلى ما يسمى بالحريات الأربع: حرية حركة السلع والخدمات، حرية حركة رؤوس الأموال، حرية حركة سوق العمل. فعلى سبيل المثال، بعد انقضاء الفترات الانتقالية الحالية سنحصل على سوق عمل موحد بين سويسرا والاتحاد الأوروبي مع تعاون كبير في مجال محاربة الجريمة «تعاون شينجن» ومجال التعامل مع طالبي اللجوء «تعاون دبلن». وهكذا تعمل سويسرا وبشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي على عدد كبير من المسائل مع الاحتفاظ على سيادتها وخصوصية حيادها. ٭ ألا تعتقدون ان سويسرا قد خسرت بعضاً من سيادتها بانضمامها إلى العديد من المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية وهيئة الأممالمتحدة؟ - كلا، نحن نعيش في عالم مترابط فيما بينه ونحتاج إلى منظمات دولية لمعالجة القضايا الاقليمية الشاملة التي تواجهنا. ففي كثير من المجالات، كتهريب المخدرات، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل بل حتى التهديد الراهن لمرض انفلونزا الطيور، لا تستطيع الحكومة الوطنية حل هذه القضايا لوحدها بل تحتاج إلى التعاون الدولي عبر قنوات المنظمات الدولية كهيئة الأممالمتحدة. ٭ لقد كان الحياد أحد ثوابت السياسة الخارجية السويسرية كيف يمكن لسويسرا الاستمرار في هذا التوجه بعد عضويتها في هيئة الأممالمتحدة؟ - لقد اصبحت سويسرا عضواً في هيئة الأممالمتحدة دون التخلي عن حيادها. الحياد يمنعنا من الانحياز إلى أي طرف في أي صراع بين الدول. ان ميثاق الأممالمتحدة يعلن عدم مشروعية لجوء الدول بصورة فردية إلى القوة لضمان حماية مصالحها الوطنية. فقط يملك مجلس الأمن وحده الحق في اللجوء إلى القوة، فيما عدا حالات الدفاع الشرعي ضد خطر وشيك. لقد حققت سويسرا بانضمامها إلى هيئة الأممالمتحدة توازناً بين مصلحتها في تجنب الحرب عبر الوسائل التي يقرها نظام ميثاق الأممالمتحدة ومؤسساتها وبين ضرورة الانصياع إلى قرارات مجلس الأمن. ٭ أخيراً، تنظر المجتمعات المدنية إلى سويسرا كحارس لحقوق الإنسان. بصفتها الدولة المؤتمنة على اتفاقيات جنيف، ما الموقف السويسري أمام قلة الالتزام بهذه الاتفاقيات؟ - تعلق سويسرا أهمية كبرى على مسألة احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي. نظراً لكونها الدولة المؤتمنة على اتفاقيات جنيف، فالقانون الإنساني الدولي عزيز إلى قلوبنا بشكل خاص. اننا نتابع العمل على تعزيز احترامه مع الدول الأعضاء الأخرى التي تشاركنا المسؤولية في ضمان احترامه وضمان احترام اتفاقيات جنيف. لقد أوكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوليو 2004 إلى سويسرا، بصفتها المؤتمنة على الاتفاقيات، مهمة التشاور بشأن احترام القانون الإنساني الدولي في سياق بناء إسرائيل للجدار العازل ولقد أتمت سويسرا المهمة ورفعت تقريرها إلى الجمعية العامة في يونيو 2005. وفي الوقت الراهن، تقود سويسرا المشاورات بخصوص الشارة الاضافية لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر.