قعدت في الركن جنب الاسطى سامي السمكري نتحدث. أنا أشرب قهوة وهو يدخن شيشة. والورشة ليست محلاً ولكنها في جانب من جراش مكشوف. والأسطى سامي نحيل وفي إحدى عينيه حول ظاهر، وهو ليس مستأجر المكان ولكن مستأجره هو الاسطى محمود الذي هو صنايعي على باب الله، ولكنه طيب وعنده نهم للفلوس ومهزار. سامي شاب أكبر من محمود وصنايعي وعلاقته بالصاج عموماً علاقة حميمة جداً لذلك يطاوعه كل الصاج المخبوط ويعود كما كان في الأول. وزمان كان عنده ورشة في عابدين. وكان حدثني عن زبائنه في تلك الورشة القديمة وذكر لي أسماء بعض الفنانين والفنانات والموسيقيين من زبائنه. ولا أعرف ما الذي جرى ولكني كنت فهمت أنهم أزالوا الورش كلها وأعطوه واحدة بديلة في منطقة الدويقة البعيدة، وأنه فقد كل زبائنه وجلس في هذه الدويقة بدون عمل حتى أغلقها وجاء يشتغل عند محمود. أنا كنت انتهيت من القهوة، وسامي كان غير حجر الشيشة وهو يجلس أمامي وقد وضع ساقاً على ساق، وقال: «باقول لك إيه يا أستاذ. أنا عايزك تساعدني اسافر من البلد دي». من يعرفونني في الأحياء الشعبية يظنوني متنفذاً وصاحب قدرة على الإنجاز، وأنا لا أريد أن أخيب أملهم، لذلك أعوم الموضوع. وأقول، مثلاً: «عاوز تسافر فين؟» وقال: «عاوز اسافر إسرائيل». قالها بهدوء. يعني قال «انا عاوز أسافر إسرائيل» بنفس النبرة التي يمكن أن يقول بها أنا «عاوز» اسافر كفر الشيخ أو الموسكي. وأنا الذي فاجأني الكلام، تطلعت إليه ووجدته هادئاً تماماً ومبسم الشيشة على مقربة من فمه. ووجدتني أسأله بنفس النبرة الهادئة: «اشمعنى إسرائيل يعني؟» قال ان احد أصدقائه سافر إلى هناك: «بياخذ 100دولار في اليوم». «وانت عرفت ازاي؟». قال ان صديقه موجود الآن في إجازة وأخبره. وقلت: «هو بييجي ويروح والا إيه». هز رأسه موافقاً، وقال ان رجال الأمن يضايقونه عند رحيله، وعمل حلقة من إبهام وسبابة يده الخالية وهزها متوعداً وهو يضيف: «بيعصروه». «لأ ياشيخ». هز رأسه موافقاً وقال: «لكن بيرجع». قلت: «الحقيقة أنا مش عارف اقول لك إيه، لكن انت عارف طبعاً إن فيه مشاكل بينا وبين إسرائيل، وبعدين بيقتلوا الأطفال في فلسطين ويهدوا بيوت الناس وحاجات زي دي». كان يمتص الدخان بهدوء ويخرجه من أنفه. وأنا أضفت: «وبعدين لو عندك عيال ممكن لما يكبروا شوية تسبب لهم مشكلة قدام أصدقاءهم وينكسفوا منك، وممكن كمان يضربوك بالجزمة يا ابو السام». وضحكت كأن هذا الكلام نوع من الهزار. وهو لم يضحك. كان يستمع إليّ في اهتمام دون أن تتبدل ملامحه، وكان مازال يضع ساقاً على ساق. ومبسم الشيشة بين أصابعه، كما كان الحول الذي في إحدى عينيه يجعله لا ينظر مباشرة بل يجعله يميل بوجهه، وينظر من ناحية.