رغم إدراك جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر أن النسيج السياسي والبيئة القانونية لن تسمح لها بإحراز المزيد من التقدم، أو بهامش يزيد على ربع مقاعد البرلمان، إلا أن الجماعة على ما يبدو تريد استغلال الفوز التاريخي الذي تحقق لها في الانتخابات البرلمانية حتى الآن، الإيحاء بأنها الواقع السياسي الجديد في مصر، وأنها البديل القادم في حكم مصر. بدا هذا واضحا في رسائل الطمأنة، التي بدأت الجماعة تبعث بها إلى العديد من الفئات وفي كثير من الاتجاهات تحمل هذا المعنى، فبعد رسالتها لأقباط مصر التي أرادت بها إزالة مخاوفهم من صعود الإخوان، بعث المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف برسالة أخرى ذات مغزى، تبدو موجهة إلى القوى الدولية، خاصة الولاياتالمتحدة، مفادها أن جماعة الإخوان المسلمين، التي يتجه مرشحوها بقوة لحصد ربع مقاعد البرلمان المصري، لن تسعى لتغيير السياسة الخارجية لمصر ومن ضمنها معاهدة السلام مع إسرائيل وأن الإخوان لا يعترفون بإسرائيل لكنهم لن يحاربوها بل سيحترمون جميع المعاهدات التي وقعتها مصر معها. واعتبر عاكف أن السخط على الحزب الحاكم في مصر زاد من الأصوات التي حصلت عليها جماعته في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية وأن المصريين غاضبون من أداء هذه الحكومة والحزب الوطني المسيطر عليها لأنها لم تجلب لهم سوى الشقاء والمرارة وأن الشعب لم تعد لديه أية ثقة بالحكومة وأظهر أنه ضد «الطغيان» ومع الإخوان المسلمين. ويرى كثير من المراقبين أن تصريحات عاكف ما هي إلا رسالة موجهة إلى الخارج أكثر من كونها تصريحات عفوية لأن الوجود القوي للجماعة في البرلمان بات يفرض عليها أن تضع في اعتبارها أن تحركاتها ومواقفها ستكون موضوعة تحت منظار المتابعة الدولية، بحكم الثقل السياسي لمصر. وأوضح هؤلاء المراقبون أن مرشد الإخوان ربما استهدف بتصريحاته تلك إرسال رسالة للولايات المتحدة مفادها بأنه ليس في نية الجماعة، حال وصولها إلى الحكم، اتخاذ مواقف قد تؤثر على حالة الاستقرار التي تشهدها المنطقة منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، وأن هذا المسلك من جانب عاكف مرده إلى بعض التلميحات الأمريكية حول رد الاعتبار للتيار الديني ولجماعة الإخوان في مصر باعتبار أنها القادرة الآن على قيادة الإصلاح، إضافة إلى إذابة المخاوف الإسرائيلية من تشدد الإخوان في مسائل التعاون الاقتصادي الحكومي معها. من جانبه أكد الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين أن الإخوان لا يريدون إحداث تغييرات دراماتيكية، فالمسألة تحتاج إلى رؤية موضوعية ومنصفة في ظل مناخ دولي، وفي ظل وضع إقليمي مترد وأوضاع محلية صعبة ووضع دولي ضاغط ومتفجر وأن اتفاقية السلام والعلاقات مع إسرائيل تخضع لرأي مؤسسات الشعب الديمقراطية عندما تعرض عليها خلاصة اراء النخب الفاعلة والواعية، لكي تقول الكلمة الفصل فيها، وعندئذ فالإخوان يخضعون لتلك المؤسسات.