استنكر الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، الحزب الذي قاد ثورة التحرير الجزائرية لسبع سنوات كاملة، وحكم البلاد منذ العام 1962 إلى غاية 1989 تاريخ دخول البلاد عهد التعددية الحزبية والإعلامية، استنكر إصرار كتلة اليمين في البرلمان الفرنسي على التمسك بقانون يمجد الماضي الفرنسي الاستعماري، وقال عبد العزيز بلخادم أمس في اتصال هاتفي أجرته «الرياض» إن هذا التمسك « يسيء للعلاقة بين الجزائروفرنسا» وهو «إهانة للشعب الجزائري وتضحياته» وإنه من العيب «أن تتبنى دولة رسميا تزوير التاريخ». وقال عبد العزيز بلخادم وزير الخارجية السابق والممثل الشخصي حاليا للرئيس بوتفليقة الموجود لليوم الخامس بالمستشفى العسكري الفرنسي «فال دوغراس» في إطار تعميق فحص طبي نصحه به أطباء جزائريون على مستوى جهازه الهضمي، قال أن إصرار النواب الفرنسيين على تثبيت «قانون العار» الذي استنكره المجتمع المدني الفرنسي ومعه المؤرخون سيقف حجرعثرة وسيلقي لا محالة بظلاله على توقيع معاهدة الصداقة بين فرنساوالجزائر المقررة قبل نهاية العام 2005، وتساءل بلخادم مستعجبا «كيف الإمكان الحديث عن معاهدة صداقة بين البلدين والثقافة الكولونيالية ما تزال مستحكمة في الذاكرة الفرنسية». واتفقت تعاليق الفعاليات السياسية والإعلامية في الجزائر على أن إصرار البرلمان الفرنسي على تثبيت المادة الرابعة من قانون 23 فبراير المتعلقة ب «تمجيد الاستعمار والدور الإيجابي للتواجد الفرنسي بالشمال الإفريقي» من شأنه أن يزيد في تعكير العلاقة بين قصر المرادية والإليزيه، ويرشحها إلى المزيد من الفتور بالأخص بعدما لم يخف الرئيس بوتفليقة استنكاره لهذا القانون الذي قال إنه «يخدش الذاكرة الوطنية» و«إن الجزائر لا يمكنها أن تندرج في مسار صداقة مع باريس إذا لم تكلف هذه الأخيرة نفسها عناء الاعتذار» وهو الاستنكار الذي سرعان ما ردت عليه الحكومة في يوليو الماضي عندما قالت «إن البرلمان الفرنسي سيد نفسه والحكومة لا تستطيع التدخل في شؤونه» واشارت تعاليق المراقبين أمس إلى أن ما حدث في البرلمان الفرنسي من شأنه أن يضع الحكومة الفرنسية أمام مسؤولياتها كاملة خاصة وأن الأمر يتعلق بالإضرار بمصالح فرنسا في علاقاتها مع شركائها بالأخص الجزائر التي تعد أهم سوق لفرنسا في الشمال الإفريقي. ومن جهتها نددت الأحزاب الإسلامية بقرار البرلمان الفرنسي، وكشف محمد بولحية، رئيس المجلس الشوري للجناح التقويمي في حركة الإصلاح في اتصال مع «الرياض»، أن نواب حركة الإصلاح المعارضة بصدد التحضير لمشروع قانون يدين الاستعمار الفرنسي، وأوضح أن لجنة مختصة تشارك فيها أطراف عديدة، بصدد الاشتغال على القانون الذي سيعرض على البرلمان للمصادقة عليه قريبا، وقال بولحية إن «ما ارتكبته فرنسا في الجزائر فاق ما ارتكبه هتلر في اليهود» وأن فرنسا «التي تصر على استفزاز مشاعر الجزائريين، سوف تجد رجالات هذا الوطن بالمرصاد»، ومن جانبه حمّل النائب عبد الرزاق مقري، عن حركة مجتمع السلم المشاركة في الائتلاف الحكومي، نواب الأغلبية، ويقصد حزب جبهة التحرير، مسؤولية بقاء البرلمان الجزائري «دون رد فعل» يحفظ ماء الوجه ويرد الاعتبار لملايين الشهداء «ضحايا الجرائم الفرنسية في الجزائر». وكانت قوات الأمن الجزائرية منعت يوم الثلاثاء مسيرة طلابية باتجاه السفارة الفرنسية بالجزائر، وضربت طوقا أمنيا مشددا على أسوار جامعة الجزائر، بعدما دعا التنظيم الإخواني «الاتحاد العام الطلابي الحر» إلى مسيرة سلمية احتجاجا على التعنت الفرنسي في تمجيد ماضيها الاستعماري بالجزائر، وجاء منع المسيرة بناء على قرار وزارة الداخلية الذي يحظر المسيرات بالعاصمة، المتخذ مباشرة بعد مسيرة الأمازيغ في 14 جوان / يونيو 2004. وكانت مجموعة من الشخصيات السياسية والتاريخية الجزائرية الكبيرة، انتقدت مؤخرا، في بيان تسلمت «الرياض» نسخة منه، الأسلوب الذي يتم به التحضير لمعاهدة الصداقة بين الجزائروفرنسا، وقال البيان إنّ الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وجاك شيراك «لم يوفرا الشروط المبدئية والموضوعية لبناء مسار تقاربي بين البلدين، على نحو يكفل له النجاح والاستمرارية، ويسمح بالارتقاء لاحقا من «معاهدة صداقة بين الدولتين إلى ميثاق مودّة بين الشعبين». وأنّ الجسور بين العاصمتين «لن تمدّ بالقفز على ذاكرة الشعب الجزائري وحقوقه التاريخية المشروعة».