في مزار داخل غابة تتوزع في أرجائه المباخر يدخل الزوار اليابانيون إلى مغارة صغيرة حيث ينحنون ليغسلوا نقودهم المعدنية والورقية في مياه نبع صغير. والمعتقدات الشعبية تقول انه إذا غسلت أموالك هنا فإنها ستتكاثر. ويعود تقليد غسل الأموال، ربما إلى 700 سنة وهو يقول شيئا عن رأي اليابانيين بالمال - وهذا موقف مختلف تماما عن العديد من الأمريكيين - إن العملة الصلبة القاسية هي سلعة قيمة وموقرة.. وشيء ينبغي التعامل معه باحترام. «إنني أدفع ثمن كل ما اشتريه نقدا». هذا ما يقوله شو ناغايي، الطالب البالغ من العمر 23 سنة، وهو يقوم بتنظيف نقوده الورقية والنقدية - 11,720 ينا يابانيا أو ما يساوي 105 دولارات - بعناية كبيرة، وهي موضوعة بترتيب جم في سلة خشبية.. ويضيف شو: «عندما لا يكون عندي مال أضبط نفسي ولا اشتري شيئاً». شأن معظم اليابانيين يكره ناغايي أن يكون مديناً. وبعكس معظم الأمريكيين - على سبيل المثال - يحرص بشدة على عدم الاستدانة مهما كلفه ذلك. لم يستعمل ناغايي بطاقة الائتمان الوحيدة التي يمتلكها سوى للسفر إلى الخارج مع الحرص على تسديد ما استحق عليه دفعة واحدة. انه لم يستدن سوى مبالغ ضئيلة من أصدقائه وتأكد من اعادتها بسرعة. مثل هذه المواقفف الحذرة، بل المخيفة تقريباً، من الديون شائعة في اليابان صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ففي حين يراكم الأمريكيون الرهون والديون ببطاقات الائتمان، يبدي اليابانيون تردداً وتحفظاً من الاستدانة اجمالاً مما يخلق مشكلة الركود الاقتصادي. وفي حين تبيع الولاياتالمتحدة سندات الخزينة لتغطية النفقات، تقوم اليابان والصين وبلدان أخرى بشرائها. وعلى المستوى الشخصي ادخار الأموال النقدية دارج بين اليابانيين - من تخزين أوراق البنكنوت تحت الفراش وسبائك الذهب في الخزنات - إلى درجة انه بات هناك اسم لهذه الممارسة، أو «تخزين المدخرات في إدراج الخزانات». ان شركة Coach Inc للأكياس في نيويورك تصمم محفظات وجزادين نقود خاصة لليابانيين الذين يحبون حمل رزم الأوراق المالية. وبالمقارنة فان الأمريكيين يطلبون جزادين لحفظ بطاقات الائتمان وليس بالضرورة لحفظ العملة الورقية والنقود المعدنية. ومنذ عشرات السنين وشركات بطاقات الائتمان تحاول إغراء اليابانيين دون جدوى. وقد وجدت دراسة حديثة أجرتها شركة جي. سي. بي انترناشونال، ان 8 في المائة فقط من الصفقات في اليابان تجري ببطاقات الائتمان والباقي نقداً. والتسريبات الأخيرة في الولاياتالمتحدة التي كشفت عن وجود ملايين الأشخاص من حاملي بطاقات الائتمان بغية لكشف سرقة الهويات. وبينهم ألوف اليابانيين، لم تفعل سوى زيادة الارتياب من الاستدانة. وأظهرت دراسة حديثة بين حاملي بطاقات الائتمان أجرتها صحيفة «نيهون كايزاي شيمبون» الاقتصادية ان 48 في المائة من المجيبين على الاستبيان يفكرون جدياً بالحد من عدد البطاقات التي يحملونها أو الاقلال من استعمالها لاعتقادهم ان الأمر لا يستحق العناء - خاصة عندما يستعملونها بالدرجة الأولى للحصول على الحسومات أو الأميال الاضافية «على تذاكر السفر». وتقول واكابا ماميمورا، الناطقة باسم شركة جي. سي. بي. «ان اليابان كانت على الدوام مجتمعاً ميالاً إلى الدفع نقدا وان الشركة تعرض رحلات مجانية إلى ملاهي ديزني لاند وطرق تسهيل دفع فواتير الخدمات لإغراء حاملي البطاقات على استعمالها. وتضيف كاميمورا ان ثمة اعتقادا سائدا في اليابان وهو ان القدرة على الاستدانة ينبغي استعمالها فقط لشراء الأشياء الغالية». معلم المدرسة مونياكي فوجي «29 سنة» الذي اشترى منزله بالتقسيط لمدة 25 سنة، هو من الأقلية المدينة - فحوالي ثلث المنازل اليابانية مرهونة، أي مشتراة بالتقسيط. ولكن حتى بالنسبة لفوجي القرض من الأمور النادرة، فهو يقول انه لا يشتري شيئا لا يستطيع دفع ثمنه نقداً. وبالمقارنة فإن كل المنازل الأمريكية مرهونة وأصحابها يشترونها بالتقسيط للاستفادة من الإعفاءات الضريبية وحدها. واليابانيون لا يستعملون الشيكات أيضاً. ففواتير إيجاراتهم والفواتير الشهرية الأخرى تحسم مباشرة من حساباتهم المصرفية والصفقات النقدية لا تحتاج إلى أجور إضافية.