سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مساعٍ للتوصل لأول اتفاقية دولية شاملة بشأن التعامل مع قضايا التغير المناخي المتعددة والحد من الغازات الدفيئة النعيمي: يجب تحقيق توازن بين متطلبات خفض الاحتباس الحراري والتكيف مع التأثيرات الضارة للتغير المناخي
ينتظر أن تتوصل الأسرة الدولية اليوم إلى أول اتفاقية دولية شاملة بشأن التعامل مع قضايا التغير المناخي المتعددة ولا سيما قضية الحد من غازات الدفيئة ووضع آلية تساعد بشكل خاص البلدان النامية على التكيف مع الظواهر المناخية القصوى كالجفاف الحاد الذي تطول فتراته أكثر من اللزوم والأمطار الغزيرة التي تنزل بسرعة وبكثافة فتتسبب في فيضانات وارتفاع منسوب المياه والمحيطات بسبب ذوبان كثبان الجليد المتجمد في القطبين الشمالي والجنوبي. ويفترض أن تعوض الاتفاقية الجديدة المزمع التوصل إليها اليوم في أعقاب الدورة الواحدة والعشرين للمؤتمرات السنوية التي تعقدها أطراف اتفاقية المناخ الإطارية الدولية بروتوكول كيوتو، ويفترض أن يبدأ العمل بمقتضى الاتفاقية الجديدة انطلاقا من عام 2020، والفرق بين بروتوكول كيوتو الذي تم التوصل عليه عام 1997 ودخل حيز التنفيذ عام 2005 أن هذا البروتوكول لا يلزم إلا البلدان الصناعية الكبرى بينما يشمل نص الاتفافية المزمع التوصل إليها اليوم البلدان الصناعية والبلدان ذات الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية. والملاحظ أن بعض وسائل الإعلام التي تابعت فعاليات مؤتمر أطراف اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية حول المناخ في ضاحية "البورجيه" الباريسية مثلما هي عليه حال عدد من منظمات المجتمع المدني سعت طوال المؤتمر إلى تقديم البلدان النامية التي تعتمد اقتصاداتها على إنتاج النفظ أو الغاز أو كليهما كما لو كانت تعترض على الجهود الرامية إلى الحد من غازات الدفيئة لأن هذا التوجه من شأنه حمل العالم على التخلي بسرعة عن مصادر الطاقة المولدة من النفط والغاز، وفي التعامل مع الملف على هذا النحو مغالطة مقصودة أو جهل بحقائق كثيرة لديها صلة بإسهام النفط والغاز في استراتيجيات العمل التنموي في البلدان النامية منذ عقود طويلة وفي الازدهار الاقتصادي وتحسن الأوضاع المعيشية في البلدان الصناعية منذ بدايات القرن العشرين وفي تنشيط الحركة التجارية العالمية وفتح آفاق واعدة أمام المعارف والتكتولوجيا المتصلة بمختلف القطاعات الحيوية في كل بلد. والحقيقة أن المملكة شأنها في ذلك شأن غالبية البلدان التي يعتمد اقتصادها وتمويل المشروعات التنموية فيها بدرجة أولى على النفط تدرك منذ مدة طويلة معطيين اثنين هما أن فترة الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري في العالم محدودة من جهة، وأن تعبيد طريق النهوض بالاقتصاد وتحسين أوضاع مواطنيها الاجتماعية تمر من جهة أخرى عبر تنويع مصادر الثروة والدخل، وهو ما أكدت عليه مثلا في مؤتمر المناخ العالمي الذي عقد في الدوحة عام 2012 والذي أقر مبدأ التمديد لبروكول كيوتو حتى عام 2020 في انتظار التوصل إلى اتفاق دولي جديد حول طريقة التعامل مع المشاكل الناتجة عن التغير المناخي. كما أدركت المملكة أن الانتقال من منظومة اقتصاد الطاقة الأحفورية إلى منظومة اقتصاد مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة مسار لا تتم بجرة قلم أو بين ليلة وأخرى بل عبر استراتيجية جادة ومتأنية ومتعددة الأطراف تقوم مثلا على تعزيز كفاءة الطاقة التقليدية على نحو يجنب الهدر ويسمح بتخفيف الانبعاثات لا سيما من خلال الاستثمار في الموارد البشرية وتقاسم المعارف والتكنولوجيا التي تتيح ذلك، وفي هذا الإطار تندرج جهود المملكة الرامية مثلا إلى خفض الانبعاثات عبر الاستثمار في تقنيات احتجاز الكربون وفي تعزيز منظومة الابتكار واعتمادها وسيلة ناجعة لتخفيف وطأة مصادر الطاقة الأحفورية على البيئة وتوسيع دائرة الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة ولا سيما الطاقة الشمسية والرياح. وفي هذا السياق تولي المملكة العلاقة القائمة بين الطاقة والموارد المائية وإنتاج الغذاء أهمية خاصة نظرا لترابط مساراتها بعضها بالبعض الآخر ولأثرها على الموارد الطبيعية والأمن الغذائي في مفهومه الشامل، ويتجلى ذلك مثلا من خلال مشروع الخفجي الرامي إلى تحلية المياه بواسطة الطاقة الشمسية، وفي مجال استخدام المياه المائية استخداما رشيدا، لا بد من التذكير بأن المملكة كانت من البلدان النامية القليلة التي أدركت بشكل مبكر أن الأمن الغذائي لا يمكن أن يتم على حساب الأمن المائي، وهذا ما جعلها تعدل عن تجربة إنتاج القمح المدعوم وإقامة مقاربة جديدة هدفها إيجاد توزان مستدام في مجال توزيع الموارد المائية القليلة المتوافرة بشكل عادل بين مختلف القطاعات الحيوية وتعزيز الاعتماد على تقنيات ترشيد مياه الري ومنها مثلا استخدام أحدث وسائل الري الموضعي والزراعة المائية، ولا بأس من التذكير هنا بأن المملكة كانت ولا تزال تمول مشروعات تنموية في بلدان نامية أخرى تستخدم فيها هذه المنهجية في إطار الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والذي تساهم المملكة في تمويله منذ إطلاقه عام 1977. ومن حق المملكة اليوم وغدا أن تطالب في مؤتمرات المناخ العالمية وخلال التظاهرات العالمية التي لديها علاقة بالتنمية المستدامة بمساعدتها على التسلح بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة للانتقال بشكل متدرج ومتأن من مرحلة اقتصاد الكربون إلى الاقتصاد الأخضر من خلال اعتماد استراتيجية شاملة، وهذا ما أكد عليه م. علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية أمام المشاركين في مؤتمر باريس حول المناخ عندما تحدث عن مبدأ المسؤولية الدولية المشتركة والمتباينة، حيث قال إنه يجب تحقيق توازن عادل في الاتفاقية الجديدة بين متطلبات خفض الاحتباس الحراري وبين التكيف مع التأثيرات الضارة للتغير المناخي، كما يجب أن تتناول الاتفاقية الجديدة جميع القطاعات بدلا من التركيز حصريا على قطاع الطاقة".