زراعة خلايا بيتا المنتجة للأنسولين وهذه الخلايا الهامة جداً يوجد منها ما يقارب 3 ملايين خلية في البنكرياس الواحد.. إن غياب أو عدم قدرة هذه الخلايا على الاستجابة للطلب المتزايد على الأنسولين ينتج عنه السكري من النوع الأول - المنتشر بصورة خاصة لدى الأطفال، وبعض البالغين - قد يصيب البالغين حتى سن السبعين سنة - نادراً، وهذا النوع ناتج عن عدم تواجد الأنسولين في الجسم بصورة كبيرة ويحتاج مرضى هذا النوع إلى الأنسولين للمحافظة على حياتهم من خطر ما يسمى بالحموضة الكيتونية حيث يلجأ الجسم إلى تكسير الدهون والتعامل مع الدهون للحصول على الطاقة بسبب عدم قدرته على التعامل مع السكر عند غياب هرمون الأنسولين. ويحتل السكري من النوع الأول ما نسبته 3 - 5٪ من إجمالي عدد المصابين بالسكري.. أي أن غالبية مرضى السكري هم من النوع الثاني (Type 2 Diabetes) 95 - 97٪ من المرضى وهو يصيب في غالبيته الكبار وقد يصيب الأطفال المصابين بالسمنة ولديهم - في الغالب - تاريخ عائلي بمرض السكري كأحد أو كلا الوالدين - وهذا النوع يمكن علاجه والسيطرة على نسبة السكر في الدم لسنين عدة بالأدوية الخافضة للسكري عن طريق الفم مع اتباع نظام حمية غذائية وممارسة الرياضة. إن زراعة خلايا بيتا لعلاج السكري هو عملية معقدة لا تجرى إلا للمرضى المصابين بالسكري من النوع الأول (3 - 5٪ من مرضى السكري كما أسلفت) أي أن هذه العملية - القسطرة كما سأبين لاحقاً - لا تناسب ما نسبته 95 - 97٪ من مرضى السكري، أي الغالبية العظمى من المصابين بالسكري في العالم (175 مليون نسمة) والذين يتوقع أن يصل عددهم إلى 300 مليون نسمة بحلول العام 2025 وإلى 220 مليون مصاب بحلول العام 2010م.. وعدم مناسبة هذه الطريقة للعلاج للغالبية العظمى من مرض السكري هو لأسباب عدة أورد منها ما يلي: أولاً: الحاجة للأدوية المهبطة للمناعة لضمان عدم رفض جهاز المناعة للخلايا المزروعة - والتي ليست بلا مشاكل عدة - وهنا يجب موازنة الأمور فيسأل الفريق المعالج المقدم على هذا الإجراء سؤالاً مهماً جداً.. هل تستحق حالة المريض بالسكري من النوع الأول أن يتم علاجه واستبدال ارتفاع مستوى السكر لديه والعلاج بإبر الأنسولين يومياً هل تستحق حالة هذا المريض أو المريضة أن تجرى له زراعة خلايا بيتا واستبدال مرضه بهذه الخلايا مع إعطائه أدوية خفض المناعة بمشاكلها المتنوعة - والخطيرة في بعض الأحيان - وموازنة الأمور لمعرفة الصالح للمريض هو على قدر كبير من الأهمية يحدد طريقة العلاج مع مراعاة المبدأ الأساسي الذي تعلمناه جميعاً على مدى السنين وهو: لا تفعل ضرراً لمريضك أو مريضتك Make no harm ولو طبقنا هذا السؤال على الغالبية العظمى من مرضى السكري من النوع لأصبحت الإجابة واضحة وهي - لا - فمعظم هؤلاء المرضى هم من الأطفال أو المراهقين أو البالغين في مقتبل العمر وتخيلوا معي وضع طفل صغير على أدوية خفض المناعة - المرعبة - للطبيب والمريض.. ومع أن نوعية هذه الأدوية في تحسن وتطور مستمر إلا أنها لا زالت تثير المخاوف من استعمالها لدى الأطفال وصغار السن من المصابين بالسكر من النوع الأول. ثانياً: صعوبة الحصول على هذه الخلايا.. فيجب استخلاص عدد محدد منها لزراعتها وضمان فرص نجاح العملية.. ولا يكفي بنكرياس واحد للحصول على كمية مناسبة من الخلايا ويدرك الجميع ما يعانيه المهتمون بزراعة الأعضاء في المملكة من صعوبة الحصول على متبرعين بالأعضاء. ثالثاً: الحاجة إلى مختبر خاص - مكلف جداً جداً - لديه القدرة على استخلاص الخلايا بدون إصابتها بأي ضرر من البنكرياس المنتزع من المتوفى دماغياً - وفي خلال ساعات معينة يصبح بعدها العضو المستهدف بالاستخلاص غير مناسب لأخذ خلايا بيتا منها. إن عملية زراعة خلايا بيتا عندما تكون ناجحة فإنها تستطيع تخليص المريض - المريض من تناول إبر الأنسولين بصورة نهائية أو في حالات عدة إلى تخفيض هذا الإبر إلى واحدة يومياً بعد أن كان المريض يقوم بحقنها 3 - 4 مرات وهي الطريقة المفضلة لعلاج السكري من النوع الأول. للأسباب أعلاه فإن أغلب المرضى التي أجريت لهم هذه الزراعة هم من الذين أصبحت حياتهم لا تطاق جراء الداء السكري وهم من الذين يعانون من هبوط متكرر ومؤدي إلى الغيبوبة على نحو متكرر أو من الذين يعانون من تذبذب شديد في مستويات السكري لديهم مع انخفاض متكرر ثم ارتفاعات مصاحبة بحموضة كيتونية.. أي أن هؤلاء المرضى أصبحت حياتهم غير مستقرة بسبب السكري وهنا يمكن دراسة حالتهم لزراعة خلايا بيتا. ويؤسفني القول للغالبية العظمى من مرضى السكري بأن الجواب على سؤالهم عن زراعة خلايا بيتا هي - لا - كبيرة وضخمة ومميزة - لا تصلح لأغلب مرضى السكري الذين كما أسلفت هم من النوع الثاني.. وتصلح لأقلية ضئيلة جداً من مرضى النوع الأول - الذي يحتاج الأنسولين منذ تشخيصه -. إن الطب في تقدم مستمر وهناك مراكز أبحاث عدة تبحث عن أنواع جديدة من أدوية حفظ المناعة ذات تأثير سلبي قليل ويمكن إعطاءها لصغار السن ولا يوجد لدي أدنى شك بالمستقبل الواعد للتطور في هذا المجال الذي سيحمل لنا تطورات إيجابية مذهلة في السنين القادمة، كما أن تطوراً عظيماً ومذهلاً يمكن أن يطرأ في هذا المجال إذا أمكن تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا بيتا وزراعتها في نفس المريض بدون الحاجة لأي أدوية مهبطة للمناعة.. كما أن امكانية استزراع خلايا بيتا B-cell cloning، أي استكثار عددها من عدد محدود تأخذ من المريض إلى ملايين الخلايا ثم إعادة زراعتها في نفس المريض، هي - على الأقل نظرياً - تعتبر ممكنة وهناك دراسات أجريت ولا زالت في أماكن عدة بأميركا - ومنها دراسات في جامعة كاليفورنيا - في سان دييغو نأمل أن تحقق نجاحاً في هذا المجال، الأمر الذي سيعتبر ثورة في مجال علاج السكري. (للحديث صلة)