بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله-، احتضنت العاصمة السعودية (الرياض) أعمال مؤتمر قمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية (أسبا) Summit Of South America – Arab Countries (ASPA) في دورتها الرابعة، والتي عقدت خلال الفترة 10 و11 نوفمبر الجاري. تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر قمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية، أنشئ بناء على اقتراح من الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، خلال المؤتمر الأول لقمة رؤساء الدول والحكومات ASPA ، الذي عقد في مدينة برازيليا في البرازيل في مايو 2005، في حين قد عقد المؤتمر الثاني في مدينة الدوحة بدولة قطر الشقيقة في شهر مارس من العام 2009، في حين عقد المؤتمر الثالث في مدينة ليما في البيرو، في شهر أكتوبر من العام 2012. ويهدف هذا المؤتمر إلى التنسيق السياسي بين دول كلتا المنطقتين (العربية وأميركا الجنوبية)، وبحث مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي بما في ذلك في مجالات التربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا وحماية البيئة والسياحة وغيرها من المجالات ذات الصلة لتحقيق التنمية المستدامة في تلك البلدان، هذا بالإضافة إلى المساهمة في تحقيق السلام العالمي. المنتدى الرابع لرجال الأعمال في الدول العربية ونظرائهم في دول أميركا الجنوبية الذي عقد في مجلس الغرف السعودية مؤخراً قبل انطلاق فعاليات القمة، ناقش فرص وآفاق ومجالات التعاون الاقتصادي والاستثماري الممكنة والمتاحة بين الدول العربية ودول أميركا الجنوبية، وسبل تعزيزها بالشكل الذي يخدم مصالح تلك الدول وشعوبها، والتي تصدرتها أنشطة النقل والسياحة والزراعة والخدمات اللوجستية، بما في ذلك المجال المالي والثقافي والعلمي والتكنولوجي والطاقة البديلة. دون أدنى شك أن هنالك نقاط تلاقي عديدة بين الدول العربية ودول أميركا الجنوبية، -يمكن من خلالها إن أُحسن استخدامها-، ستعمل على تعزيز مستوى التعاون المشترك بين بلدان المنطقة، لاسيما وأن الدول العربية ودول أميركا الجنوبية تمتلك قواسم اقتصادية وتنموية مشتركة عديدة، يُمكن من خلالها تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود بين دول المنطقتين، حيث على سبيل المثال، تتربع المنطقة العربية على كميات كبيرة جداً من النفط والغاز، التي يُمكن استخدامها في الصناعات التحويلية وتصديرها لدول أميركا الجنوبية لاستخدامها كمدخلات إنتاج في الصناعات الحديثة والمتقدمة، إذ تشير المعلومات وفق تقديرات الخبراء، إلى أن الدول العربية المجتمعة تستحوذ على أكثر من نصف النفط في العالم، وتمتلك لنحو 55 في المئة من احتياطيات النفط التقليدي المؤكدة، إضافة إلى امتلاكها لنحو 17 في المئة من الغاز الطبيعي المسوق في العالم حتى مطلع عام 2014. في المقابل يتمتع اقتصاد دول أميركا الجنوبية بقاعدة اقتصادية متنوعة، توزعت على العديد من الأنشطة الاقتصادية، مثل الصناعة والزراعة والسياحة والطاقة المتجددة والبديلة وتكنلوجيا المعلومات وتقنية الاتصالات، وإلى غير ذلك من الأنشطة الاقتصادية المتقدمة، حيث على سبيل المثال يعتبر الاقتصاد البرازيلي أكبر سادس اقتصاد على مستوى العالم، ويندرج ضمن مجموعة دول ال(بريكس)، التي تضم أبرز الاقتصادات الناشئة (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا). أخلص القول، أن هنالك فرصا اقتصادية كبيرة أمام الدول العربية ودول أميركا الجنوبية، يُمكن تسخيرها لخدمة المصالح الاقتصادية والتنموية لدول المنطقة العربية ودول أميركا الجنوبية بما في ذلك شعوبها، من خلال النهوض بمستوى التبادل التجاري والاستثماري بين دول المنطقتين. إن تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود بين دول المنطقتين، يستلزم وضع خارطة طريق جادة لبلوغ الهدف المنشود، بحيث تتضمن تذليل العقبات والصعوبات، التي تعترض طريق تدفق التجارة والاستثمارات، إضافة إلى إنشاء منطقة تجارة حرة، وتشجيع وضمان الاستثمارات، وتجنب الازدواج الضريبي، وتفعيل دور مجالس الأعمال والسفارات بتلك الدول، بما في ذلك تسهيل الحصول على التأشيرات واستحداث خطوط نقل وطيران مباشر بين دول المنطقة؛ بحيث يمكن بناء تكتل اقتصادي قوي ومتين والاستفادة من حجم السوق الاستهلاكي الكبير للمنطقتين التي يتجاوز عدد سكانها مجتمعين أكثر من 800 مليون نسمة. تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود بين دول المنطقتين، يتوقع له في المستقبل القريب، أن ينهض بمستوى حجم التبادل التجاري بين الدول العربية ودول أميركا الجنوبية إلى مضاعفات ما سجله بنهاية عام 2014 والذي بلغ 30 مليار دولار بعد أن كان حوالى 6 مليارات دولار عام 2005.