تعتبر السياحة في كل بلدان العالم مورداً مهماً من الموارد الاقتصادية ونمطاً من أنماط الاستثمار الرأسمالي بل إن هناك دولاً يقوم اقتصادها على السياحة التي تتعدد اتجاهاتها وتتنوع توجهاتها، فالسياحة إحدى وسائل التأثير الثقافي وخاصة على مستوى العلاقات بين الثقافة الغربية وثقافات شعوب العالم الثالث عموماً وقد ناقش الباحث المغربي عبدالصمد بلكبير في أطروحته للدكتوراه عن الأدب الشعبي العلاقة بين السياحة والثقافة الشعبية أن التأثير بينهما مزدوج القيمة والمردودية فهي في الوقت الذي تنبه تلك الشعوب ودولها ورأسمالييها بصورة خاصة إلى الأهمية المادية قبل المعنوية لثقافاتها وآدابها وفنونها وعاداتها وخصائص شعوبها بما يدفعها إلى العناية بها والمحافظة عليها لأنها من العوامل الأساسية في دعم اقتصادها باستجلاب السائح الغربي الباحث عن الفرادة والخصوصية وما هو غريب عن عاداته وعجيب من منظوره؛ فإنها أيضاً وبصورة أخطر تلعب دوراً سلبياً مشوهاً وهداماً لتلك الثقافات بالذات، وذلك بسبب تأثير العين والأذن الغربية على تكييف تلك الثقافة وإعادة إنتاجها بما يرضي رغبات السائح الغربي وتطلعه إلى رؤية متحف بشري حي يرى من خلاله ماضي الشعوب ومظاهر تخلف وانحطاط ذلك الماضي، أي عملياً بما يرضي – حسب تشخيص عبدالصمد بلكبير- نزوعه العنصري وأنانيته النرجسية وإحساسه بالتفوق والعظمة الكاذبة والغرور الزائف وغير الموضوعي بحال واصطناع صوته عن طريق الفارق والمختلف. ويلمح بلكبير إلى أنه بسبب السياحة حافظت العديد من الشعوب العربية خصوصاً بالشام ومصر والمغرب وتونس على تراثها الشعبي وبالأخص منه التشكيلي والحركي والإيقاعي غير أن ذلك يحدث بصورة تسيء إلى ذلك التراث من حيث أنهم عندما يعيدون إنتاجه لا يراعون سوى العلاقات الصورية بين الأصل والمستنسخ منه أما الوظيفة الأصلية والواقعية فيتم إلغاؤها تماماً وبالتالي تعدم الطبيعة الجوهرية للمعطى الثقافي الشعبي فيتحول (السقاء) على سبيل المثال إلى محض قطعة ديكور في صورة يلتقطها له السائح بجانب أطفاله! أما السجاد فلم يعد بالإمكان التمييز بين أصيله وأثيله وبين العديد من المزيفات المصطنعات، ونفس الأمر بالنسبة لبعض الفنون والرقصات الشعبية التي وظفت لأداء مقطوعات ونغمات يتناول السائح طعام العشاء على سماعها وشتان ذلك وبين وظيفتها الأصلية. ويؤكد الباحث ان تلك العملية شاملة وممنهجة ويكاد يشترك فيها الجميع وهي ستهدف بوعي أو بدون وعي تشويه التراث وتحريف وظائفه وإعادة صياغته لا بما يرضي رغبات المواطنين بقدر ما يقصد منه إرضاء رغبات عطلة وراحة السائح الغربي ونزعاته الثقافية بل وغرائزه الحيوانية أحياناً كما يلاحظ ذلك فيما يعرف بالرقص الشرقي خصوصاً. وأخيراً فإن الاستفادة من التراث الشعبي في تنمية السياحة أمر في غاية الأهمية ولكن دون تفريغ هذا التراث من روحه الوطنية أو وظيفته الأصلية فإنه مما يحبط التفاؤل أن تتحول الفرق التي تؤدي الرقصات الوطنية إلى مجموعة من الوافدين الآسيويين كما رأيته بعيني في إحدى الفعاليات السياحية في دولة خليجية، أو أن يتم تصنيع منتجات الحرف اليدوية أو المقتنيات الشعبية في الصين ثم يتم استيرادها من هناك، أو أن تجد في مدخل أحد الفنادق في الرياض أحد الوافدين يقدم القهوة العربية لرواد الفندق لابساً الزي الرسمي لدولة خليجية أخرى!!