وأخيراً صدر قرار مشروع رسوم الأراضي البيضاء، وهو الآن في قبة الشورى لمناقشته ومناقشة آلياته. ولأن مشروع الرسوم حسب اطلاعي على الخبر والتصريحات المتداولة وحضور ورش عمل مع البنك الدولي فإن من المتوقع أن يكون المشروع نظاماً متكاملاً يهدف إلى تمكين المواطن من تملك مسكن ملائم بتسهيل إجراءات التطوير والبناء وزيادة المعروض في الأراضي المخدومة والقريبة من وسط المدينة في خطوة مهمة في تخطيط المدن لتتجه من النمو الأفقي إلى الرأسي. فقد دأبت بعض المدن مثل الرياض على التمدد الأفقي ما يجعل إيصال الخدمات إلى أماكن بعيدة مكلف للغاية. فمع الرسوم ستنحى المدن إلى التمدد الرأسي، إذ أن فرض الرسوم يتطلب اكتمال الخدمات أو المهم منها، وهو الأمر الذي سيجعل الرسوم مسوغة. فالرسوم قد تضع أوزانا مختلفة للخدمات من كهرباء وطرق ومياه وصرف صحي لاحتسابها على المواقع المختلفة ما يجعلها أكثر عدالة وقبولاً من ملاك الأراضي. وحتى لا يتضرر صغار الملاك الذين يحتفظون بأراض لأبنائهم أو لأنفسهم لبناء منزل في المستقبل، فإن من المرجح أن تفرض الرسوم على الأراضي ذات المساحات الكبيرة من 10000 متر مربع (عشرة آلاف متر) فما فوق، وليس ذلك حتى لا يتضرر الصغار فحسب، بل إن امتلاك مثل هذه المساحة الشاسعة وفي منطقة مخدومة وقريبة من وسط المدينة، هو إشارة واضحة إلى أن هناك موانع من عدم الاستفادة منها، فقد تكون تلك الموانع صعوبة وجود النقد لدى المالك في تطويرها، أو التمويل من قبل البنوك، أو وجود مشاكل على الصكوك، أو صعوبة الحصول على التراخيص وطول استخراجها، أو حتى رغبة المالك في ارتفاع أسعارها بعد اكتمال تطوير الأراضي المجاورة له. كل هذه المبررات ستكون محل تمحيص الجهات المختصة بشكل جاد وفوري؛ لأن العواقب هي سداد الرسوم والتي قد تصل إلى 100 ريال للمتر المربع الواحد، من أجل ذلك فإننا نتمنى أن تنشأ لجنة أو أمانة لتطبيق الرسوم تعمل على تذليل كل الصعاب والمبررات التي قد يواجهها أو يدعيها بعض الملاك، ومساعدتهم للمشاركة في التطوير وتمكين المواطن من الحصول على مسكن ملائم، إذ من المؤمل أن تعمل تلك اللجنة أو الأمانة على تسريع إنهاء المعوقات مثل استخراج التراخيص والصكوك وتدبير التمويل، وقد يصل الأمر بها إلى ترشيح مطورين كشركاء مع صاحب الأرض لإعمارها. ويبدو أن ذلك المشروع وإن حصل بهذه الصورة فإنه قد يتحول من مجرد نظام جباية إلى مشروع وطني لزيادة المعروض من المساكن، وبالتالي فإن تطبيقه يحتاج إلى إعداد الأجهزة الحكومية المختلفة (العدل، البلديات، التجارة، الإسكان) لتطبيق فرض الرسوم بالطريقة الصحيحة والفاعلة حتى يتحقق الهدف الإسترتيجي في زيادة معروض المساكن، من هنا فإن بدء التطبيق قد يكون بعد سنتين لتتهيأ الجهات الحكومية بتعديل بعض الأنظمة حتى تتناسب مع فرض الرسوم والنمو الرأسي مثل تغيير معامل البناء، وفي نفس الوقت يُترك وقت كاف ليتفاعل سوق القطاع العقاري مع مخرجات الآليات تلك. وتلاحظون أنني لم أتحدث عن تأثير الرسوم على الأسعار ذلك أن الحكومات تعمل على تنظيم الأسواق بسن وإصدار التشريعات والأنظمة وتترك قوى السوق هي من يحدد الأسعار، لذا فإن قوى السوق ستحدد الأسعار بناء على المعطيات التي ستخرج بها معايير وآليات تنفيذ تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء ومدى تقبل سوق الملاك والمطورين والمستثمرين الجدد لتلك الأليات، وستختلف تلك القوى من مدينة لأخرى، ومن حي لآخر حسب الخدمات واتجاه المطورين والمستثمرين وراغبي التملك، ذلك أن الرسوم وحسب بعض المصادر قد تشمل المدن الكبيرة كثيفة السكان، ولن تطبق في المدن الصغيرة ومدن الأطراف. باختصار، إن صدور الرسوم في شكلها النهائي سينهي كل الغموض الذي يواجه قطاع الإسكان العقاري مايجعل القطاع يبدأ ويعود للحراك مرة أخرى وبصورة أسرع مماهو عليه الآن.