سارت بي السيارة، فتوقفت أمام مقبرة، فبكيت بكاءً شديداً، فقد شاهدت قبورهم، لا يزورهم أحد ولا يزورون أحداً، فوقفت وصليت عليهم ودعوت لهم، ثم سارت بي السيارة وإذا أنا بجانب قرية متهدمة، لم يبق منها سوى الأطلال وبقايا جدران متساقطة ودور سكنية متهدمة فبكيت بكاءً شديداً، وقلت: هذه الدنيا غرّارة والاهتمام بها دون الأخوة سفاهة وجهالة. ثم سارت بي السيارة وإذا أنا بجانب مقبرة مسورة بجدار أبيض، فبكيت بكاءً شديداً وقلت: يأتي يوم يا (خميس) تصبح واحداً فرداً معهم ثم صليت عليهم ودعوت لهم بالغفران والمرحمة. ثم سارت السيارة بجوار جبال فرأيت بقايا منازل من الحجارة متساقطة، فقلت: كان أُناس يعيشون هنا ثم جاءهم الموت وأخذهم إلى المقابر، فكأنهم لم يفرحوا في هذه الدنيا الفانية فبكيت بكاءً شديداً، وقلت: لا تغتر يا خميس بهذه الدنيا واعمل للآخرة. ثم سارت بي السيارة وتوقفت عند مقبرة مسورة، فيها مئات المقابر، فقلت: من هم هؤلاء، إنهم رجال ونساء وأطفال وشباب، كانوا سعداء، واليوم كلهم تحت التراب، لم يبق منهم إلا العظام، فبكيت بكاءً شديداً وقلت: الإنسان كالشمعة، يذوب كل يوم إلى أن ينطفئ، ثم سارت السيارة إلى مكان فيه بقايا من الفخار والأواني الطينية المتكسرة وأعمدة ساقطة وجدران، فبكيت بكاءً شديداً وقلت: هذه بقايا من قرية، عمرها مئات الأعوام، كان أهلها في فرح وعمل ونشاط، واليوم لا أجد أحداً منهم، فبكيت بكاءً شديداً. عدت للسيارة، ولكنها تعطلت، فمشيت على أقدامي ومعي قارورة مياه، وكلما صعدت كثيباً بدا لي كثيب آخر، فشعرت بالعطش الشديد فسقطت، ولم أشعر إلا ببدوي يوقظني ويرش الماء من قربته على وجهي، فشربت من الماء وقال لي: اركب على هذا الحمار فركبت، وركب على الحمار الآخر، وخلفه الأغنام، وقال: هناك مضارب الخيام وسوف نصل إن شاء الله بعد غروب الشمس.