أعرف بعض الناس ممن تجاوزوا الثمانين من العمر.. لكنهم غاية في النشاط والحيوية والإنتاجية. مقابل ذلك، هناك من هم في سن العشرين لا يصلحون لشيء سوى النوم والعبث والكسل والاعتماد على الغير في كل شؤونهم! رغم هذا.. يتحدث البعض عن كبار السن كما لو أنهم عبء على المجتمع.. أو أنهم عديمو الفائدة. وعندما يتحدث البعض عن واحد من هؤلاء المسنين تكون النبرة - في أحسن الأحوال - مفعمة بالإشفاق.. وأحياناً بما يشبه الازدراء عندما يقول أحدهم: «خلاص.. فلان كبر!».. وكأنه يقول ان القلم مرفوع عن هذا ال«فلان» لمجرد أنه مسن.. مع أن السن خبرة وحكمة وثراء في التجربة الحياتية! والصحيح هو أن لكل مرحلة عمرية سماتها.. فسن الشباب غير سن الكهولة وهي تختلف عن الشيخوخة.. ولكن لكل مرحلة بهجتها ولها من جوانب القوة ومن جوانب الضعف الشيء الكثير. إنني ممن أحبوا الشيخ حمد الجاسر رحمه الله.. وهذا الرجل ظل منتجاً ويقظاً حتى بعد أن أصبح طاعناً في السن.. ومعظمنا يتذكر مقالاته ذات الصبغة البحثية التوثيقية التي كان ينشرها في جريدة «الرياض» وفي مجلة العرب والمجلة العربية وغيرها حتى قبيل وفاته.. في حين ان بعض الأدباء والكتاب الشباب نضبوا وتوقفوا عن العطاء قبل أن يبلغوا سن الأربعين والخمسين.. ومن الشخصيات العالمية المبهرة شخصية المذيع الأمريكي والتر كرونكايت أشهر مذيع أخبار في أمريكا والذي كان يعمل مذيعاً رئيسياً للأخبار في محطة «سي.بي.اس» وهو في سن متقدمة قبل المذيع بيتر جيننغ الذي توفي قبل مدة قريبة.. وكرونكايت لم يكن مجرد «قارئ» للأخبار بل كان رئيساً لتحرير النشرة ويتدخل في كل كبيرة وصغيرة وكانت أمريكا كلها بدءاً من الرئيس ينتظرون نشرة أخبار كرونكايت ويصغون إليه لما يتمتع به من مصداقية مهنية. وعندما ترك عمله بدأ مشواراً جديداً وهو إنتاج الوثائقيات التلفزيونية. أما رؤساء الشركات الكبرى في أمريكا من المسنين فهم كثيرون.. وهناك علماء وأساتذة جامعات قدموا أفضل عطاءاتهم بعد أن تقدمت بهم السن.. ومنذ فترة قريبة تقاعد ألين جرين سبان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) وهو في قمة تألقه رغم سنه المتقدمة.. قد يرى البعض أن هذه النماذج المتميزة التي تتمتع بالشهرة تمثل استثناءً.. لكن الحياة تعج بالناس المتميزين ممن تقدمت بهم السن وهم ليسوا في عداد المشاهير وإنما أناس عاديون.. لكنهم منتجون ويضيفون إلى مجتمعاتهم وإلى المحيطين بهم الكثير من البهجة والجمال والدفء الإنساني.. وفي كل الأحوال.. فإن من حق المسنين على المجتمع تقديم الرعاية والاهتمام بهم بغض النظر عن أي شيء.. ولكن من المؤسف والمحزن أن هذا لا يحدث دائماً.. وأكبر دليل هو ما نقرأه في وسائل الإعلام من صور العقوق التي يتعرض لها الوالدان وكبار السن في بعض الأحيان!!