«فتاة في المرحلة الثانوية تهرب مع شاب تعرفت عليه عن طريق الهاتف بعد أن تطورت بينهما العلاقة، وأصبحت تخرج معه بدون أهلها، وعندما طلبت الفتاة من الشاب خطبتها تفاجأت برفض والدها فقررت الهروب مع الشاب ليتم القبض عليهما في قضية هروب منذ شهرين ، وتكون الفاجعة الكبرى ان هذه الفتاة الصغيرة في أحشائها جنين».. هذا ما كتبته صحيفة «الرياض» في عددها بتاريخ 12/11/2005م التي أضافت ان هروب الفتيات أصبح يشكل ظاهرة ملموسة رغم ان العديد من الأسر تلجأ إلى التكتم والتستر على هروب بناتهن خوفاً من الفضيحة، وهذه الظاهرة لا تقتصر على مجتمعنا بل تنتشر في كل المجتمعات التي تكبت فيها الفتاة ويخنق إبداعها بحيث تحيا في دائرة ضيقة لا تتجاوز المدرسة والبيت، فالمدرسة تسجنها داخل منهج جامد جاف لا حياة فيه، وأما البيت فقد جفت فيه كل العواطف، وفي وضع كهذا لابد ان تشعر الفتاة بالخواء الوجودي الذي وصفه سارتر في رواية «الغثيان» التي نشرت في عام 1936م واطلق عليه «مرض العصر، والذي يشعر معه الإنسان بخواء العالم نفسه Le vide d'existintence في ذات الوقت الذي لا تقدم له المدرسة أو البيت كما مر القول أي معنى أو مضمون للحياة مما يجعله ينطوي على نفسه، ثم يجد نفسه نتيجة لهذا الانطواء معزولاً وملفوظاً من زملائه ومنفياً عن العالم، وأنه لا يوجد أي دور يمكن ان يلعبه في الحياة بل يحس بالعكس أنه عبء على الحياة والمجتمع، وقد ألمح جان جاك روسو إلى شيء من ذلك حين قرر ان إنسانية الإنسان لا تتحقق إلاّ إذا اعترف الآخر أو المجتمع بوجوده وينتهي الأمر بالإنسان إلى الاكتئاب، وسارتر اطلق على روايته عنوان «الاكتئاب» ولكن الناشر جاليمار غير العنوان إلى الغثيان، وحين يطبق الاكتئاب على الإنسان فلا مهرب منه إلاّ إلى المخدرت، أو الخروج على تقاليد المجتمع والقيام بعمل يجعل المجتمع يلتفت إليه غصباً بارتكاب شتى أنواع الجرائم وخاصة الجنسية، وهذا المرض أكثر حدة لدى الفتيات لأن الشبان يجدون متنفساً في الحرية التي يمارسونها خارج البيت والممارسات العبثية التي قد تثبت وجودهم كالتطعيس والتفحيط، والحل يجب ان يبدأ في مرحلة مبكرة من العمر قبل ان يشعر الإنسان بالخواء، وذلك بإثراء حياته بالإبداع في الأدب والفن بحيث تقدم له المدرسة منذ المرحلة الابتدائية أو حتى قبل ذلك بجانب المنهج الدراسي برامج لممارسة الكتابة الإبداعية والفنون التشكيلية والنشاط المسرحي والرياضي، وهي مجالات لو نبغ فيها فستقضي على الخواء الوجودي، وتقسر المجتمع على الاعتراف به، وبذلك ينجو من الاكتئاب.