لم يكن أحد من اليمنيين يراهن على أن الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ الذي انتدب قبل أشهر مبعوثاً دولياً إلى اليمن خلفاً للمغربي جمال بنعمر سيتميز بمعطيات مختلفة عن سلفه الذي فشل في منع انهيار العملية السياسية التي أشرف على مسارها خطوة بخطوة على مدى ما يزيد عن أربع سنوات ظل فيها يلعب بميكافيلية على ترحيل الالتزامات المقننة في خارطة الحل (المبادرة الخليجية) وهو ما تسبب في انفلات الأمور من يديه وانزلاق البلاد في موجات عنف دامية أكثر سوءاً مما شاهدناه قبل تسلمه الملف اليمني في ابريل 2011م. فيما لم يخطر على بال أي مواطن يمني أن ولد الشيخ الذي سبق وأن عمل في اليمن ما بين 2012م و 2014م كمنسق مقيم للأمم المتحدة سيعود إلى صنعاء حاملاً معه أفكاراً مغايرة تمكنه من إحداث اختراق حقيقي في الجدار السميك للأزمة اليمنية وبما يجنبه الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها بنعمر الذي يبدو أن ذكاءه قد خانه حين عمد إلى تحويل مسار التسوية في اليمن إلى مسلسل طويل تقمص فيه دور المنتج والمخرج ناهيك عن دور البطل الذي عادة ما يسند له في الدراما الأميركية أو حتى الهندية مهمة (المنقذ) الذي يطل فجأة على المشاهدين ليقوم بتفكيك القنبلة المعدة للانفجار في الثواني الأخيرة ليتنفس الناس الصعداء ويقومون بالتصفيق لذلك البطل الذي منع عنهم الكارثة وذلك لإدراك اليمنيين قبل غيرهم أن ولد الشيخ ليس سوى (البطل الجديد) الذي انتدبته الأممالمتحدة لمواصلة ذلك الدور الهزلي في ذلك المسلسل الطويل الذي ليس من بين مشاهده إخراج اليمن من مستنقع الاحتراب والاقتتال والفوضى والانتقال إلى وضع مستقر يقوم على قاعدة الشراكة في السلطة والثروة في ظل دولة لا ينازعها أحد اختصاصاتها أو صلاحياتها أو مسؤولياتها كراعية لجميع اليمنيين بمختلف مكوناتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية والمذهبية. ولأن الأمر فعلاً لا يتعلق في المقام الأول بشخصية المبعوث الجديد أو القديم أو بدرجة الكفاءة أو الكاريزما لدى هذا أو ذاك لم نلحظ أي اختلاف جوهري يمكن أن ينسب لولد الشيخ الذي حرص على أن يسير على خطى سلفه قدماً بقدم حتى وإن بدا بنعمر أكثر مهارة في تأدية الدور المرسوم له من قبل المنظمة الدولية التي أضحت تمتلك خبرة كبيرة في توجيه الصراعات والانحراف بمساراتها وفقاً لرغبات ومصالح الدول الكبرى التي لاشك وأنها من يكون لها الدور الأكبر في افتعال الحروب وإشعال الحرائق وتغذية الفتن وعلى النحو الذي نراه اليوم في العالم العربي الذي تتآكل بلدانه وأقطاره واحداً بعد الآخر في ملهاة يظهر فيها العرب وكأنهم من يحفرون بأسنانهم الطريق إلى جهنم. منذ البداية قلنا وقال كثيرون إن ثمة سيناريو أُعد لتفجير اليمن وكان مثل هذا الهاجس قائماً منذ اللحظة الأولى التي تسلمت فيه الأممالمتحدة ملف الأزمة اليمنية حيث كان من الواضح أن هذه المنظمة لم تكن جادة في إدارتها لمجريات التسوية خلال المرحلة الانتقالية إذ انها ومن خلال بعثتها في اليمن قد اتجهت إلى إهدار الوقت وخنق أي فرصة للانفراج بل انها من تعمدت إلى التعاطي مع الأزمة اليمنية بأسلوب يجمع بين الشيء ونقيضه في ذات الوقت ففي حين كانت تؤكد على مرجعية المبادرة الخليجية فإنها من ظلت تشجع كل فعل أو تصرف يقفز على تلك المرجعية وهو الموقف الذي تكرر أيضا حيال مخرجات الحوار الذي عقد برعايتها بمشاركة جميع الفرقاء، إذ سرعان ما دخلت تلك المخرجات ميدان المساومة في عملية حوارية أخرى أشرفت عليها المنظمة نفسها في أكبر فنادق العاصمة صنعاء. وهنا يكون السؤال موجها للأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ: أليس من العبث وبعد مرور قرابة أربع سنوات ألا يستقر موقف الأممالمتحدة على توصيفات محددة تساعد على الإمساك بالخيط الرفيع الذي يختفي وراء الصورة الظاهرة في الأزمة اليمنية؟ فإذا كانت الأممالمتحدة لم تنجح في إيجاد آلية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن فما الداعي إذاً إلى استنساخ مبادرات جديدة على غرار مبادرة النقاط العشر التي يجري تسويقها من قبل ولد الشيخ والتي وإن كانت تستند إلى مرجعيات القرارات الدولية فإنها التي تفتقد لآليات التنفيذ على أرض الواقع؟ ما تتجاهله الأممالمتحدة أو ما لا تعيه انها لن تستطيع الهروب من الاعتراف بفشلها في إدارة الملف اليمني وكذا من مسؤوليتها عن كل ما أحاق باليمن من الكوارث وآلام الموت فقد أنتجت بسياستها الرمادية في اليمن وضعاً يقدم خيارات السلاح على خيارات السلام والسياسة.