كثيرة هي لوائح أمريكا ضد الشعوب والحكومات، والأمم، لكنها لا تُخضع نفسها لمساءلات الاحتجاجات الدولية التي تدينها بتخريب السياسات والاقتصاد، والبيئة، وتعمّد استعمال أسلحة محرمة دولياً وآخرها الشريط الفاضح الذي صدر عن إيطاليا باستخدام الأمريكان بالفلوجة قنابل محرمة، وتشجيع صدامات السنة مع الشيعة، والقبائل مع بعضها في العراق.. لائحة وزارة الخارجية الأمريكية الأخيرة تتهم عدة دول من بينها المملكة التي تنتهك الحريات الدينية، وبصرف النظر عن الجدل حول تفسير المملكة، أو الخارجية الأمريكية لهذا الأمر، إلا أن أمريكا لم تكن منصفة مع الإسلام، قبل أحداث 11 سبتمبر، وصدامها مع نظام القاعدة الإرهابي، حين صمتت عن تهديم معظم المساجد الإسلامية في فلسطين، وإهانتها بأسلوب الانتقام والاستهزاء، واحتقارها للكنائس، ومقدسات المسيحيين من قبل إسرائيل.. الأمر بالنسبة للمملكة ليس حكاية تسويات سياسية، أو اقتصادية يمكن حلها بنظم وقوانين قابلة للتعديل، والتغيير، إذ بأي اعتبار مثلاً أن تطلب جالية، أو مجموعة مسيحية، بناء كنائس في مكةالمكرمة، والمدينة المنورة، والترخيص للحم الخنزير باعتبار أن هناك مجتمعات تبيح أكله، هل يريدون تأليب العالم الإسلامي، وشعبنا في الداخل بخلق صدامات تؤدي إلى انتكاسات داخل بلدنا أو ما يشبه الحرب الأهلية بناء على شكل الحريات التي تريدها أمريكا؟. ومع التسليم بأن هناك دولاً مسيحية، وحتى قلعة الفاتيكان من قبلت بناء مراكز ومساجد إسلامية تفترض المعاملة بالمثل، هل ما يجري بأوروبا مثلاً يماثل ما يجري بالعالم الإسلامي، إذا أدركنا أن من يذهبون للكنائس يوم الأحد، لا يتجاوز عددهم الخمسة في المائة، وأن أعياد الميلاد ورأس السنة مجرد تقليد اجتماعي، وليس أمراً دينياً في حين يختلف الأمر بالنسبة للمسلمين في كل مكان؟.. أيضاً لدينا قوائم بعشرات الجنسيات العاملة في المملكة من بوذية وهندوسية وغيرهما، لم نعترض على معتقداتها ، وقد كان بقدرة المملكة تعويض هذه العمالة بمسلمة تجنباً للإحراج، لكن هذا ليس من طبيعة العلاقات التجارية، ولا الدولية ولا مبدأ التسامح بين الشعوب والأمم.. أمريكا لم تعط الهنود الحمر والسود حرياتهم إلا بعد حرب طويلة، ونضال ذهب ضحيته الملايين ولم تقر هذه الحقوق إلا في الستينيات من القرن الماضي، وحتى المراكز الحساسة في البنتاغون والبيت الأبيض، والاستخبارات تخضع إلى مساءلات لا تقبل حصص الملونين فيها إلا بأعداد شبه أحادية، فهل لوائح أمريكا تقبل التزكية من العالم كله، وكيف أن نظاماً سياسياً لدولة كبرى تزداد عداوته مع العالم بسبب انتهاكات دستورية لحقوق الشعوب، أن يكون شرطي أخلاق على العالم؟..