لم يعد الحجاج يهتمون كثيراً بما يجلبونه معهم من هدايا، وأغذية قدر اهتمامهم في السنوات الأخيرة لشراء هذه الهدايا من الأسواق السعودية، وحملها معهم إلى بلادهم، وتقديمها لأقاربهم، ومعارفهم كذكرى لأدائهم فريضة الحج.. وكذلك الاحتفاظ ببعض هذه الهدايا لأنفسهم. قديماً كان بعض الحجاج الأفارقة يأتون إلى الديار المقدسة ومعهم أنواع من الطيور في مقدمتها (الببغاوات) ويبيعونها فور هبوطهم من الطائرة، أو نزولهم من الباخرة، وكان البعض الآخر يحمل معه أنواعاً من الأغذية الغريبة على أسواقنا المحلية، وتجد من يشتريها، وكان البعض الثالث يجلب معه بعض صناعات بلده التقليدية، ويبيعونها فور وصولهم، وكان لذلك يقال (حج وبيع مسابح) ليعود المثل إلى (حج وشراء مسابح) لأن الحجاج يجدون في بلادنا كل ما تحلم به نفوسهم لدرجة أن بعضهم ينتهز فرصة الحج التي من الله بها عليه ليتضبع من هنا كل شيء يخص مناسبة عزيزة عليه في بلده مثل إقامة الأفراح كل حسب استطاعته، وقدرته الشرائية. وبالنسبة لما كان يحمله الحجاج معهم من هدايا، أو تجارة خفيفة عند وصولهم إلى الأراضي المقدسة كان يقام (شبه حراج، أو مزاد) في مدينة حجاج البحر، ومدينة حجاج الجو، ويعرض في الحراج، أو المزاد مجموعة من الهدايا، والتحف، وبعض المواد الغذائية مثل الفستق، والأرز. ويتسابق على الشراء عدد من أصحاب محلات بيع - التراث - والتحف، والآثار القديمة جداً لعرضها داخل محلاتهم - حول المطار القديم - وبيعها على محبي اقتناء الآثار، والتحف القديمة الذين يزورون مدينة جدة، ويعشقون شراء هذه التحف، والآثار، ومنها (الزل الإيراني، والزل التركي، والخواتم الفضة، والسبح، وغيرها، وغيرها) والتي بدأت منذ سنوات في التراجع نتيجة امتلاء السوق المحلي بكل شيء ونتيجة أن الأسعار - بصرف النظر عن حقيقة الجودة - في متناول الجميع حجاجاً، وزواراً، وسكاناً مما جعل (مزادات الحجاج) السابقة تفقد مكانها، وقيمتها، ودورها. ثلاث جبهات رئيسية للشراء وتنشط حركة البيع، والشراء في موسم الحج على ثلاث جبهات رئيسية هي جبهة (الملابس الجاهزة) وهي الجبهة الأولى من البيع، والشراء، وتعتبر مدينة جدة، أو عروس البحر الأحمر العاصمة التجارية للملابس الجاهزة، وهي المصدر الرئيسي لبقية المدن، وبها من الملابس الجاهزة ما يغطي احتياجات الحجاج مهما بلغ عددهم، وتعتبر محلاتها من حيث العدد الأولى عربياً، كما يعتبر موسم الحج هو الموسم الثاني الرئيسي لها. ومحلات الملابس الجاهزة هي الأكثر إقبالاً لدى الحجاج - من كل الفئات - وإن كان لذوي الدخل المحدود ومنها نصيب الأسد، والزحام عليها يكون كبيراً قبل الحج، وبعده، ويعتبر أصحاب محلات الملابس الجاهزة موسم الحج فرصتهم الأهم لتصريف الكميات الهائلة من الملابس الجاهزة لديهم، والتي يفوق فيها العرض على الطلب. ويقول (يوسف عبدالرحمن) إن الإقبال على شراء الملابس الجاهزة في موسم الحج يزيد على موسم رمضان حيث الإقبال مشترك من حجاج الخارج، وحجاج الداخل نظراً لوجود كميات، وأنواع، وموديلات هائلة من هذه الملابس بأسعار في متناول الجميع، ولولا أن كل حاج مرتبط بأوزان محددة لتضاعف الشراء عدة مرات. ويمثل حجاج البحر، وحجاج البر الشريحة الأكبر في شراء الملابس الجاهزة، والأقمشة، وبعض الهدايا الأخرى الرخيصة الثمن (الإكسسوارات، والمصنوعات الجلدية، والتحف الخفيفة) وتستفيد محلات (أبو خمسة، وأبو عشرة) من موسم الحج في تصريف بضائعها والتخفيف من معروضاتها، ومن مخزوناتها، ولا تُحرم محلات (أبو ريالين، وأبو ثلاثة) من هذه الفرصة السنوية، ومن اقبال الحجاج ذوي الدخل المحدود عليهم، واندفاعهم للشراء، والتبضّع من كل هذه المحلات التي تتوفر فيها هذه البضائع المناسبة لقدراتهم الشرائية، وامكانياتهم المادية. وتشكل - جبهة الأجهزة الكهربائية - الخطوة الثانية في أعمال الشراء لدى الحجاج حيث يشهد (سوق الروادي، والمسجلات، وأجهزة الفيديو، وأجهزة تشغيل البث الفضائي، وأجهزة الهاتف) حركة نشطة في موسم الحج، ولا توجد لدى الحجاج مشكلة في توفر كل ما يريدون، والمهم هو (النوعية)!. جبهة الذهب، و«الفالصو» ثم تأتي جبهة (الذهب والفالصو) وبقية الساعات، والمجوهرات، والهدايا ذات الاشكال المغرية، والصناعة الهشة، الرخيصة حد (الخوف) من ثمنها المتدني جداً.. والذهب ينقسم عند الحجاج لثلاثة أقسام: - قسم رفيع المستوى وهذا بطبيعة الحال ثمنه باهظ، وتقبل عليه الفئات القادرة (غالباً من حجاج الجو).. وبعض الحجاج - الافارقة على وجه التحديد - وهم من القارة السمراء ينتهزون فرصة الحج لشراء الذهب لهم شخصياً، ولمناسباتهم، وفئة منهم تستفيد من شرائه للمتاجرة فيه بتكليف من تجار بلادهم حتى أن هناك محلات ذهب كبيرة في سوق الذهب القديم خصصت اكثر من معرض لبيع (الذهب الملبلب) والذي يكون وزنه هو المقياس، وتغيب عنه فنون الصناعة تماماً، ويطلق عليه - كما يقول احد العمال - ذهب الحبوش، وقد رأيت الاقبال عليه شديداً، ولم اشاهد في المعرض وجهاً واحداً من خارج القارة السمراء، وقد شعر البائع بأنني دخلت المعرض بطريق الخطأ فأبلغني بأن هذا الذهب يطلقون عليه (ذهب الحبوش) فسألته ان كان (نص ، ونص) فقال انه ذهب حر مائة في المائة. - وفي الجهة المقابلة يتجه عدد - غير قليل - من الحجاج الافارقة من ذوي الدخل المحدود جداً إلى اسواق (الذهب الفالصو) - أي الذهب غير الحقيقي - فهو عبارة عن مصوغات فضة تخصصت العديد من المحلات في جنوبجدة في طلاء هذه المصوغات بماء الذهب فتبدو ذهباً يلمع، ويقبل أبناء القارة السمراء لشراء هذا (الذهب المزيف) للتزين به في المناسبات، والافراح، ويقول مظهر خان ان تجارة طلاء الفضة تكتسب أهمية خاصة عند حلول موسم الحج لتلبية الطلبات التي تنهال على محلات (الفضة المذهبة) من افريقيا، وآسيا على حد سواء من قبل غير القادرين على شراء الذهب الحقيقي..! المصحف، وزمزم: أغلى الهدايا ويحرص كثير من الحجاج عند العودة لبلادهم على اقتناء أغلى الهدايا لتقديمها لاهلهم، وذويهم، ومعارفهم، وعلى قمة هذه الهدايا الغالية يكون المصحف الشريف، وماء زمزم. ولا يكاد يطل موسم الحج حتى يكون عدد من المواقع التجارية، والمكتبات قد استعدوا «تجارياً» للمناسبة. ويحصل الحجاج على مصحف خادم الحرمين الشريفين مجاناً عند وصولهم، أو عند عودتهم، ويجري تقديمه لهم فرداً، فرداً مع بعض الكتب، والارشادات. ويفرح الحجاج بالهدية، وبعضهم يسعى لمضاعفتها ليقوم بتقديمها هدية لاقاربه، ومعارفه عند العودة. وثمن النسخة من المصحف الشريف في الاسواق التجارية تتراوح من عشرين ريالاً، إلى ثلاثين، وهناك مصاحف يتم وضعها في (علبة قطيفة) ليتم تقديمها هدية. وجاءت هدية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لتصرف الانظار - انظار الحجاج - عن الشراء، والحصول على نسخ من المصحف الشريف مجاناً (سواء أثناء وصول الحجاج إلى الاراضي المقدسة، أو عند مغادرتهم لها).. ويقدم مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينةالمنورة ملايين النسخ من المصحف الشريف للمسلمين في أنحاء العالم، ولحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج من كل عام. وإلى جانب الحرص على اقتناء المصحف الشريف الذي اصبح يصل للحجاج هدية فإن الحجاج يحرصون على حمل (مياه زمزم) معهم عند العودة للبركة، والعلاج، ومنهم من يحمل (الجوالين) ومنهم من يكتفي بالعلب الصغيرة التي جرى تصنيعها في السنوات الأخيرة بأشكال فنية جميلة لتسهيل حملها، ونقلها عند المغادرة، وتقديمها هدية لأقارب، وأهالي الحجاج يفرحون بها لانها من أطهر البقاع. وفي اطار هذا الجو الروحاني يبحث الحجاج عن أجمل سجاجيد الصلاة، وأرق السبح، وشراء الصور التذكارية للاحتفاظ بها في ارشيفهم الخاص (أرشيف الذكريات الغالية العزيزة)..