مقر أكبر عصابات الإجرام المنظم اليابانية القابع وراء سور عال وصف من الأشجار على زاوية طريق هادئ قد يرى فيه البعض مجرد دارة أخرى من قصور الطبقة الثرية اليابانية... لولا كاميرات المراقبة، والأسلاك الشائكة وذهاب وإياب الرجال الأنيقين ذوي النظارات السوداء وقصة الشعر القصيرة. وخاصة الحركة المتزايدة التي لوحظت في الآونة الأخيرة. في أكبر تعديل قيادي منذ 16 سنة عينت العصابة الإجرامية اليابانية الكبرى زعيماً جديداً في شهر آب الماضي في احتفال قسم صاخب وراء أسوار مقرها في هذه المدينة البحرية الغربية.. وبعد فترة قصيرة ذكر تقرير للشرطة ان عصابة - «ياماغوتشكي غومي» هذه التي تضم 40,000 عضو قامت بخطوة كبيرة أخرى بضمها عصابة كبيرة في طوكيو التي تشكل سوقاً ضعيفة تقليدياً لها. وبدا ذلك أشبه بعملية دمج شركات روتينية في بلاغات الشرطة والبيانات الإعلامية وذلك لأن العصابات اليابانية - المعروفة باسم «ياكوزيا» - لها مكان خاص في التركيبة السلطوية. وقد نشرت الشرطة قوات كبيرة حول الدارة، ولكن ليس للقيام بأي اعتقالات بل للتدخل إذا تحول الاجتماع إلى مواجهة عنيفة. إلا انه لم تقع أعمال عنف ولم يلق القبض على أحد. وأكدت الشرطة ان الاجتماع عقد فعلاً، إلا انها رفضت الادلاء بأي تعليق على الصورة الأكبر داخل الياماغوتشي - غومي ولذلك لم يتضح لماذا اختار يوشينوري واتانابي ان يتنحى عن الزعامة ويفسح الطريق أمام نائبه كينيتشي شينودا أن ليحل مكانه. غير ان الخبراء يعتقدون ان الخطوات التي أقدمت عليها العصابة في الآونة الأخيرة تعكس إعادة ترتيب واسعة للهيكلية في العالم السفلي. مع أن اليابان تفتخر بتدني مستويات العنف والجرائم في شوارعها فإن عصاباتها الإجرامية هي بين العصابات الأكثر ثراء في العالم، وهي تجمع مليارات الدولارات من عمليات الابتزاز والمقامرة والدعارة والإفلام الإباحية على الانترنت والاتجار بالأسلحة والمخدرات والعقارات والرشا في قطاع الإنشاءات. وتقول الشرطة ان عدد العصابات يتنامى والياموغوتشي - غومي التي هي بمثابة تجمع - أو نقابة، تبتلعها وتضمها إليها بوتيرة أسرع من أي وقت آخر. وحسب تقارير دائرة الشرطة الوطنية ان عدد أعضاء العصابات بلغ 87,000 عضو في نهاية السنة الماضية 70,5 في المائة منهم ينتمون إلى واحد من أكبر ثلاث نقابات اجرامية في البلاد. وقد ازداد عدد أفراد عصابات الياماغوتشي - غومي بألف ومئة عضو حتى بلغ 39,200 عضو، أي 45,1 في المائة من اجمالي عدد أعضاء العالم السفلي - وذلك قبل امتصاص عصابة نيبون كولوسي - كاي، وهي واحدة من أقدم وأقوى العصابات في العاصمة. الضم والقضم عمل منطقي ومربح تجارياً في عالم العصابات الياباني. فالعصابات الثلاث الكبرى منظمة بشكل هرمي متقن، حيث يدفع أفراد العصابة حصة من المداخيل لرؤسائهم، وهؤلاء يدفعون بدورهم أجوراً كبرى لمن هم أعلى منهم... ثم يدفع هؤلاء أيضاً حصة كبيرة للقادة الرئيسيين والأسياد. وبالمقابل يحصل الافراد على الحماية والمساعدة للتخلص من المنافسين وبوسعهم أن يستغلوا علاقاتهم مع النقابات الكبرى لممارسة الضغوط على ضحايا الابتزاز. وبوسع أفراد النقابات الكبرى أن يقدموا على أعمال فيها مغامرة أكبر لأنهم واثقون من مساعدة شبكة دعم واسعة لهم إذا دخلوا السجن، بل إن بعض هؤلاء الأفراد ينفذون أعمال قتل ثم يسلمون أنفسهم لمعرفتهم أنهم سيتلقون مكافآت مالية وترقيات بعد تنفيذ المهام. والحقيقة ان الزعيم الجديد للياماغوتشي - غومي البالغ من العمر 63 عاماً نفذ عملية قتل من هذا النوع. فقد دين بقتل عضو آخر في العصابة طعناً وأمضى 13 سنة في السجن ابتداء من الستينات. وقال شينجي ايشيهارا، الغانغستر السابق في الياباغوتشي - غومي الذي تعرف على شينودا في السجن، للاسوشيتد برس ان هذا الأخير «أمضى محكوميته بهدوء. ان حياة السجن صعبة إلا انه كان رجلا صبورا وقويا جدا وفخورا بما اقترفته يداه.. لم يكن سجينا عاديا كأي سجين آخر». قبل العام 1992 كان أفراد العصابات يجاهرون بارتباطاتهم، فمقرات العصابات كانت تحمل لوحات فاقعة وصريحة والأعضاء يضعون شعار عصاباتهم على ياقات بذلاتهم. وكانت الشرطة تغض الطرف بفضل تفاهم ضمني بأن العصابات تتفادى قتل أي شخص خارج صفوفهم وأحياناً تقدم المعلومات للسلطات. كما أن كبار الزعماء كانت لهم علاقات وثيقة مع رجال الأعمال والزعماء السياسيين. غير ان العصابات الرئيسية ازدادت جرأة وعنفاً، فاضطرت الشرطة إلى الانقضاض عليها إثر قتل أحد ضباط الشرطة في أوكيناوا. ووضعت الشرطة لائحة بأسماء أعضاء العصابات وزادت المراقبة واستصدرت القوانين لمقاومة الابتزاز. ورغم ان المجرمين احتفظوا بنفوذهم وعلاقاتهم القوية التي كانوا يفاخرون بها علناً فقد اضطروا للنزول إلى العالم السفلي وقاموا بتنويع عملياتهم في سوق الأسهم والعقارات، وهي مجالات يصعب فيها اصدار الادانات من المحاكم. وقد وعدت الشرطة الوطنية التي تضم 240,000 عضو بتجديد الضغوط ونشر عشرة آلاف شرطي جدد في اليابان خلال السنوات الثلاث المقبلة على أمل الاحتفاظ بزخمها وزيادة قوتها.