بدأ المجتمع التركي يتساءل بشأن القضية الارمنية التي حجبها التاريخ الرسمي على مدى تسعين عاما، في وقت يشهد فيه معرض في اسطنبول مخصص للحياة اليومية للارمن في الاناضول مطلع القرن العشرين، اقبالا قياسيا. فقد استقبل المعرض الذي افتتح في الثامن من (كانون الثاني) يناير بعنوان «اخي العزيز»، اكثر من ستة آلاف زائر في غضون عشرة ايام تقريبا وفق المنظمين وهو رقم قياسي بالنسبة لمعرض في اسطنبول. ويسعى المعرض من خلال 500 بطاقة بريدية تعود لتلك الفترة الى اظهار الوجود الكبير للارمن في اراضي الدولة العثمانية ودورهم في المجتمع مستندا الى الارقام ومدينة بمدينة. ويقول عثمان كوكير مدير المعرض، «في تركيا يدرس التاريخ بمنظار الشعب التركي فقط كما لو انه الوحيد الذي اقام على هذه الارض. وعندما يأتي الحديث عن الارمن لا يقال انهم جزء لا يتجزأ من المجتمع بل انهم مصدر متاعب». ويضيف هذا المؤرخ «من اجل ملء هذا الفراغ ولأن لدي ابنة في الحادية عشرة تتلقى هذا التعليم في المدرسة قررت ان انشر كتابا وان انظم هذا المعرض». ويقول «من دون هذا الادراك سيكون من المستحيل مناقشة احداث العام 1915» في اشارة الى المجازر التي ارتكبها الجيش العثماني في حق الارمن بين العامين 1915 و1917. وكوكير مدرك لوجود تساؤلات متزايدة في المجتمع التركي حول تاريخه لكنه يعتبر ان تغيير العقلية بحاجة الى وقت. ويرى ان «غالبية من الرأي العام ولا سيما في الريف لا تزال تعتبر كلمة ارمني بمثابة شتيمة». ورغم اقدام قلة من الاساتذة الجامعيين والمؤرخين الهواة على البدء بمراجعة التاريخ التركي يبقى من الصعب كسر محرمات ترسخت في الاذهان جراء تسعين عاما من التاريخ الرسمي. ويلخص فابيو سالوموني وهو صاحب اطروحة حول النظام التربوي التركي «حتى العام 1980 لم تكن المناهج المدرسية التركية تتضمن اي اشارة الى مجارز الارمن». ويضيف «مع اقرار مجموعة اولى من الدول الغربية بوجود (مجازر ابادة) ومع تكاثر اعتداءات منظمة (اصالة) (منظمة ارهابية أرمنية) اضيفت فقرة الى المنهج تستبعد اي مسؤولية تركية في مقتل الارمن الذي فسر على انه اتى في ظروف حرب وبسبب سوء الاحوال الجوية». وفي حين تقر تركيا بواقع المجازر فإنها ترفض عبارة «ابادة» كما ترفض الارقام التي تتراوح بين 1,2 و1,3 مليون قتيل كما يقول الارمن وتكتفي ب250 الى 300 الف قتيل. ومن غير المطروح العودة عن المبادئ المعتمدة مع ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان افتتح مطلع (كانون الاول) ديسمبر قبيل القمة الاوروبية في بروكسل التي حددت موعدا لأنقرة لبدء مفاوضات انضمامها الى الاتحاد الاوروبي، متحفا ارمنيا في اسطنبول. وتستمر بعض الهيئات التي تدعمها الدولة في اجراء ابحاث من شأنها ان تظهر انه في حال حصول ابادة فإن الارمن هم الذين ارتكبوها في حق الاتراك. وتقول تارين كاراكسلي من صحيفة «اغوس» الارمنية «لا يمكننا التحدث عن تغير عميق على مستوى الدولة» موضحة ان «التطور ظهر في صفوف النخبة المثقفة التي بدأت تناقش علنا هذا الموضوع وتشجع على نشر مؤلفات بديلة». وترحب هذه الشابة بالدور الذي يضطلع به الاتحاد الاوروبي «الذي يساهم في كسر المحرم الارمني» عبر التشجيع على احلال الديموقراطية في تركيا لكنها تأسف لموقف فرنسا التي ترغب في جعل اعتراف انقرة بحدوث مجازر «ابادة» شرطا مسبقا لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي. وتعتبر ان «هذه الضغوط لن تنفع بشيء. لا يمكن حل المسألة الا عبر دينامية داخلية». ويؤكد ايتيين محجوبيان وهو ارمني من اسطنبول ومعلق في صحيفة «زمان»، ان «الشعب التركي لم يع بعد المشكلة كليا. وفي هذا الاطار فإن فرض الحل لن يخلف الا ردود فعل معادية».