استرق الفلسطينيون الفرحة بعيدهم الأول بعد الانسحاب الإسرائيلي المخادع من قطاع غزة وكأنهم يعلنون سنفرح ونحتفل ونحيا كالآخرين رغم كل شيء. ورغم أن الفرحة ومظاهر العيد بدت على الأطفال داخل شوارع وأزقة المخيمات والمدن في القطاع، كانت مشاعر أخرى من الفرحة المبددة والابتسامة الواهنة تعلو قسمات وجوه الكبار، فالقصف الإسرائيلي المتكرر على قطاع واستهداف قادة فلسطينين كان آخرهم قبل يومين سببا رئيسيا في تبديد مشاعر الفرح لدى أهالي قطاع غزة بحلول عيد الفطر. الأهالي في القطاع والذين كانوا يعتقدون بأن عيدهم هذا العام سيختلف عن الأعوام السابقة خاصة وانه يأتي ولأول مرة دون وجود لقوات الاحتلال الإسرائيلي في القطاع، بالفعل انتهت مأساة أبو هولي والمطاحن لتتجسد مأساة أخرى أكبر وأشد وطأة على الفلسطينيين العزل، حولت القطاع كله إلى سجن بشري كبير تزلزل أركانه فرقعات مزلزلة في كل وقت موت ورعب وقلق يرهب الكبار قبل الأطفال عقب كل غارة وهمية وحقيقة تشنها طائرات الاحتلال، وكل ما يطلب منا أن نهدئ من روع أطفالنا ونخفف عنهم وقع هذا الإرهاب بالأكاذيب والقصص الخيالية التي ننسجها بأن ما يرج كيانهم هو خيال مثل الخيال الذي يشاهدونه في الرسوم المتحركة على شاشات التليفزيون. المعلن دولياً أننا نعيش أول عيد بعد الانسحاب، لا أجده مختلفاً كثيراً عن قبل بل قد يكون هو العيد الأسوأ وأشعر من خلال أصدقاء لي في الضفة الغربية أنهم يشفقون علينا رغم أنهم وكما يعرف العالم بأسره يقبعون تحت الاحتلال حتى هذه اللحظة. وفي ظل تواجد هذه المنغصات على الفلسطينيين في قطاع غزة والتي تتمثل في التصعيد الإسرائيلي أولا، وفي تدنى الوضع الاقتصادي بشكل أسوء من قبل ثانيا، لا يمكن لأي فلسطيني أن ينعم بعيد بهيج. إن كل ما اختلف في الأمر هذا العيد هو أن سكان قطاع غزة ينعمون بحرية التنقل داخل القطاع ويتمكنون من زيارة الأقارب والأصدقاء شمال وجنوب القطاع، إلا أنهم يشعرون بأنهم باتوا في سجن حقيقي كبير ممنوعون فيه من التنقل إلى الخارج والسفر مهما كانت الأسباب قاهرة أو مرضية، الأمر الذي يضعهم أمام الصورة الحقيقية للانسحاب الإسرائيلي الذي لاقى قبولاً وترحاباً دوليا. وخلال لقاءات التي أجرتها «الرياض» مع مجموعة من الأهالي في قطاع غزة، عبر المواطنون الغزيون عن سخطهم للوضع الحالي فقالت المواطنة (أم عمرو) وهي أم لخمسة من الأبناء: «تمنيت أن يكون هذا العيد مختلفا عن سابقيه ولكن إسرائيل لا زالت مصرة على أن تنغص حياتنا حتى لا يكون للفرحة مكان في قلوب الأطفال أو حتى الكبار». وتتابع: «لم يكد أثر الاحتلال أن يختفي من عندنا، حتى بدأت الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفها المتكرر على قطاع غزة ما أعاد الخوف وانعدام الأمل في حياة مستقرة، بالإضافة إلى انعدام الوضع الاقتصادي للغالبية العظمى من العائلات الفلسطينية. أما المواطن نهاد عبد الله فيقول: «لا أشعر أن هذا العيد مختلفا حتى وان كان بدون وجود الاحتلال الإسرائيلي هناك أمور ما زالت تنغص حياتنا، مثل تدهور الوضع الاقتصادي بحيث أن المواطن الفلسطيني لا يستطيع تلبية الحد الأدنى من احتياجات أسرته واحتياجات أطفاله في هذه المناسبة التي من المفترض أن يوفر رب الأسرة كافة مستلزمات أطفاله. ويضيف: «إن الغالبية من أهالي القطاع وفي ظل هذه الأوضاع لا يوجد لديهم دخل ثابت يستطيعون من خلاله تأمين المستلزمات الخاصة في العيد لذا فإن الفرحة تكون منقوصة سواء لدى الصغار الذين لا يستطيعون الحصول على ما يحتاجونه في العيد أو الكبار الذين لا يستطيعون توفير هذه الاحتياجات لأطفالهم. يشار هنا إلى أنه ووفقا الإحصائيات الرسمية فان حوالي 65٪ من سكان قطاع غزة لا يوجد لديهم فرصة عمل ثابتة والاعتماد عليها كدخل ثابت لتوفير المستلزمات الضرورية للعائلة خاصة بعد أن منعت معظم سكان قطاع غزة العاملين داخل الخط الأخضر التوجه إلى أراضيها مع العلم أن الآلاف من أهالي القطاع كانوا يعتمدون في دخلهم على العمل داخل الخط الأخضر كمصدر رزق وحيد لهم. ومع كل هذه المنغصات لا يملك الفلسطينيون في قطاع غزة إلا أن يقضوا أيام هذا العيد والابتسامة تعلو وجوههم سواء كانت حقيقية مترعرعة أو باهتة تنم عن فرحة مبددة بأيدي احتلال لا يرحم.