البيئة العربية من المسؤول عنها؟ حديث العرب عن الإرهاب في العراق والحرب الأهلية في السودان وأزمات الحرية في عدد من العواصم وقضايا حقوق الإنسان وقضايا الأراضي المحتلة هي كلها قضايا أساسية وجوهرية ولكن لا حديث عن حالة البيئة التي تدمر كل يوم النظافة وأزمة المياه وأزمة الهواء الملوث. كيف نتخيل أن المصريين والسودانيين لا يشربون من النيل الذي هو هبة السماء لمصر و العراقيين لا يشربون من دلة والفرات حيث نشأت واستمرت حضارة الإنسان معتمدة على هذين النهرين لآلاف السنين. كيف نتخيل انه قد أزيل أربعة عشر مليون نخلة من جنوب العراق خلال الثلاثين سنة الماضية والتي تنتج أفضل أنواع التمور في العالم وكلنا يتذكر أن هذه المناطق لم يحمها من الجوع وعوادي الزمن سوى هذه النخلة المباركة. كيف نتخيل أننا نجلس لنشرب قهوة «المخا» اليمنية في مقاهي أوروبا وأمريكا في وقت تقهقرت شجرة البن من اليمن وسيطرت شجرة القات التي تمثل أكبر استنزاف لوقت وثروة البشر. السودان الذي تحدثنا عنه سلة لغذاء العالم يقف فيه الناس بالطوابير ينتظرون مساعدات الأممالمتحدة ليحصلوا على غذائهم والعرب الذين كانوا يعقدون مؤتمرا سنويا للزراعة أصبحوا يعقدون مؤتمرا سنويا للتصحر في محاولة لوقف تراجع نسبة الزراعة والخضرة في طول العالم العربي وعرضه. والغريب أن الصمت عن جريمة البيئة هي صفة مشتركة بين العرب و الحكومات ساكتة والمعارضات ساكتة و الإسلاميون ساكتون رغم أنها قضية مشتركة. فالتلوث وفساد الهواء والطعام ضحاياه كل البشر وهو لا يعرف الانتقائية بالقتل وبث السموم إهمال قضايا البيئة هو نموذج لحالة من التردي وفساد الذمم والاستهتار بحياة البشر. أصبحت مشلكة تلوث البيئة خطرا يهدد الجنس البشري بل يهدد حياة كل الكائنات الحية والنباتات. يستطيع الإنسان الاستغناء عن الطعام لعدة أيام ولكنة لا يستطيع الاستغناء عن الهواء إلا لدقائق معدودة وبالتالي أن يكون الهواء صالحا للاستنشاق ولا يحتوي على سموم قد تسبب في النهاية أضراراً بالصحة العامة سواء على المدى الطويل او القصير. من أهم أسباب تلوث البيئة المبيدات الحشرية ومبيدات العشبيات على نطاق واسع في العصر الحديث التي تستخدم لمكافحة الحشرات والآفات التي تفتك بالمحاصيل الزراعية واذا كانت هذه المبيدات قد أدت الى زيادة الانتاج الزراعي إلا أنها قد سببت إضرارا بيئية خطيرة حيث أصابت النبات والحيوان والانسان بالأمراض. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية أن المبيدات تسبب حدوث أكثر من 400 ألف حالة تسمم سنويا في الدول النامية. وتشير التقارير الطبية الى أن استعمال هذه المبيدات قد ساهم في زيادة نسبة الاصابة بأمراض الكلية بالاضافة الى ارتفاع نسبة الاصابة بأمراض اخرى مثل أمراض الكبد والرئة والجهاز التنفسي والجهاز العصبي والدم ويعتبر تلوث البيئة بالمبيدات من أسباب ارتفاع نسبة الاصابة بأمراض الحساسية وأمراض السرطان وتشوهات الاجنة واصابات الجينات والكروموزومات. اذا كان التلوث البيئي قد ساهم مساهمة فعالة في زيادة نسبة الاصابة بالأمراض فإن الوقاية من هذه الامراض تعتمد الى حد كبير على حماية البيئة من هذا التلوث ولكي نحقق هذا الهدف ينبغي أن نولي عناية فائقة برفع مستوى الوعي البيئي بين الافراد بالمدارس والمعاهد والجامعات وذلك بالاهتمام بتحديث مقررات البيئة بما يتلاءم مع المشكلات العصرية وبخاصة مشكلة التلوث البيئي التي تتصاعد عاما بعد عام وتتطلب الحلول الجذرية لمواجهتها والتغلب عليها. ولاجهزة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية دور فعال في رفع مستوى الجمهور لحماية البيئة من التلوث ويتحقق هذا بترشيد الناس بالاستعمال الأمثل للمواد الكيميائية في نطاق الصناعة والزراعة والمنازل. ويجب على أجهزة الحكومة المعنية تشديد الرقابة على المصانع بخاصة فيما يتعلق بالرقابة على طرق الصرف الصحي والتخلص من النفايات بعيدا عن الأراضي الزراعية ومياه الشرب والمياه التي تستخرج منها الأسماك مع الاهتمام بإنشاء الطرق السريعة للسيارات بعيدا عن الأراضي الزراعية. نحن جميعا مسؤولون عن تلوث البيئة، ونحن جميعا مطالبون بمحاولة اعادة النقاء والتوازن لها ،، بما فينا من أطفال وصغار. الكلام عن البيئة ليس دائما فظا غليظا او عملا من اعمال الكبار فالكشف عن اسرار وخفايا البيئة التي نعيش فيها فربما من مسببات التلوث التي تتعرض لها وكيفية التغلب عليها يمكن ان يكون حديثا ممتعا ومسليا للاطفال يزيد من مداركهم وينشط فيهم روح البحث والابتكار. البيئة السليمة تعني صحة سليمة لنا ولأجيالنا القادمة.