صدر للأستاذ الكاتب محمد المزيني روايته البكر (مفارق العتمة) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بعد أن فرغت من قراءتها كاملة هاتفت المزيني لأعاتبه أن أنهى روايته في المنتصف ولأمجد النصف البشري من جسد حورية البحر. فإن كان محمد كتب عن مفارقته للعتمة فإن الشطر الثاني من الرواية أو الشطر المعتم كان غير مفارق لمحمد المزيني. كان هذا الحوار مع المزيني وحوريته البحرية: ٭ هل ينهض محمد سارداً ذاتياً أم شاهداً على المرحلة.. وهل ثمة هامش شفاف يفصل بينهما؟ - لم أكن شاهداً على المرحلة بمعناها الحرفي ما لم أكن سارداً ألتقط شخوصاً جاهزة وأحداثاً مفتوحة بقدرما كنت مستلهماً داخل الوعي الجمعي الذي يفرض شخوصه وأزمنته التي تلد الأحداث طبيعياً بمعنى أنه لم يكن المحرض لكتابة ذاتياً كما لم يكن رصداً تاريخياً كنت أجوب الفضاء السردي مقتحماً هجعة الأمكنة المنسية فمارت الحكايات نافضة من عباءاتها وجوه وأسماء دثرتني بحنو فأصبحت مسكوناً بها أتحرك باتجاه ما تمليه طقوسها الخاصة. ٭ يقع في تصورك أن روايتك تنتهي في المنتصف.. ما مدى رضاك عن وجود جرف حدي يفصل ما بين براعة رسم الفضاء الشعبي والتوغل فيه والشهادة التقريرية على تاريخ معتم؟ - لم يكن ثمة جرف حدي أو هوة فاصلة بعبارة أخرى ولكن وكما أسلفت كنت أتحرك داخل منصة جمعية التقصد فيها ليس من شروطها أي أن لا أملي رغباتي الخاصة فلغة رسم الفضاء الشعبي يحدد إطار العلاقات ويوائم بينها فأنا رهن مناخات تملي طقوسها الخاصة بها وكل مرحلة تعاقبية في الرواية تمثل حالة من خلال لغة سرد حية وفي الوقت نفسه مفاجئة والمفاجأة هي عنصر الانتقال بين المراحل السردية المحكومة بالمناسبات الشخصية التي تلبس الأبطال في حلبة الأحداث فلم أكن موجهاً بقدر ما كنت متماشياً أو إن شئت فقل منصهراً مع توترات أحداث الرواية وشخوصها وقراءة الرواية لمرة ثانية يكشف أن لا جرف حدياً يفصل بين طقوسها ومناخاتها. ٭ الاندفاع الصحفي في معالجة الخطاب الأيديولوجي يشي بأزمة إبداعية لدى القاص السعودي إلى أي شيء تعزو هذه الأزمة؟ - التداخل مع الخطاب الأيديولوجي سواء نقداً أو تحليلاً أو حتى توصيفاً يوقع الكاتب في فخ الانصياع لسلطة هذا الخطاب لأن التداخلي هنا يبدو ثقافوياً أكثر من كونه اشتغالاً إبداعياً ربما يعزى ذلك إلى تمكن سلطة هذا الخطاب وكثرة رسله والمعتنقين له من أتباعه المنافحين ضد أي تجاوزات تخلخل أو تغربل هذه السلطة لذلك قليلون هم الذين تخطوا عتبات هذه السلطة ودهاليزها وخرجوا إلى فضاءات رحبة حتى وهم يتداخلون عنوة مع هذه الخطابات الأيديولوجية ثمة أعمال قصصية إبداعية تخلصت من تبعات هذا الاندفاع الصحفي وقدمت تشكيلاً جديداً في عالم القص وإن تماهت مع أشكال الخطابات الأيديولوجية إلا أنها لم تضعف أو تتوارى خلفها. ٭ هل تؤمن بوجود شروط للبيئة الروائية وهل هذا متناقض مع تلقائية الروائي والمكان؟ - لا أرى ثمة شروط محددة للبيئة الروائية فليست الأعمال الروائية كالأعمال السينمائية وقت تنفيذها ولا أرى أنها تخضع لتلقائية الروائي بقدر ما يخضع الروائي نفسه لتلقائية البيئة فهي تنصف ذاتها منه متى توخى التقاط صورها الحية والمهارة هنا تكمن في قدرته الخاصة على فرز ألوانها من خلال لغة سردية حاذقة ومقنعة تضع القارئ في صميمها. ٭ يفتعل بعض الروائيين البيئة ويكرسون لهجرة المشهد ويعدون أنفسهم شهوداً على واقع لم يخالطوه كيف يمكن محاكمة هذه المقولة أو الروائي المتهم؟ - لا أعتقد أن روائياً يمكن أن يدس قلمه في بيئة لم يسبق أن طوفت بها عيناه قبلاً فالكتابة عن بيئة غائبة ومشاهد غير مرئية هو نوع من التزوير المتعمد الذي حتماً سيوقع الروائي في مطب الصور الناقصة أو المشوهة إلا إذا رام الروائي اختبار قدرته على كتابة روائية تعتمد الأسطورة محوراً لها فذاك شيء آخر مثاله جسر بنات يعقوب لحسن حميد ولن تتوافر شروط المصداقية ما لم تكن البيئة الواقعية مجربة ومختبرة. ٭ فضح العتمة أسهل الطرق لنيل درجة الشجاعة، أين أنت من هذه الإدانة وأين الروائي السعودي منها؟ - أنا لا أعتبرها إدانة لأني ببساطة لم أتعمد الفضح بقدر ما كنت أبحث عن المناطق المعتمة للكشف عنها لجعلها أكثر من مبصرة فقط بل نتلمسها بكل حواسنا وهذا لا يشي بالشجاعة على الفضح إنما القدرة على الإبصار وتلمس مناطق مظلمة من حياتنا التي لم تجهرها الأضواء الكافية للتعرف على خباياها وهذه تجربة يخشى البعض بلا مبرر خوضها والتماس معها. ٭ ما سر نهوض اللغة الشعرية منذ منتصف روايتك إلى نهايتها؟ - ليس ثمة سر فقارئ الرواية سيكتشف أنه يمر بتحولات مرحلية من خلال ثلاث مراحل لكل مرحلة طابعها الخاص وفقاً لتصاعد الأحداث في المرحلة الثالثة فرض (الديالوج) الداخلي وعيه بطبيعة المرحلة وحدد إطار اللغة لتأتي على نحو ما ذكرت وهذا يعيدني إلى إجابتي على سؤالك الثاني عندما قلت (أنا رهن مناخات تملي طقوسها الخاصة بها وكل مرحلة تعاقبية في الرواية تمثل حالة من خلال لغة سرد حية وفي الوقت نفسه مفاجئة والمفاجأة هي عنصر الانتقال بين المراحلة السردية المحكومة بالمناسبات الشخصية التي تلبس الأبطال في حلبة الأحداث فلم أكن موجهاً بقدر ما كنت متماشياً أو إن شئت فقل منصهراً مع توترات أحداث الرواية وشخوصها. ٭ هل تعتقد أن الرواية السعودية أخذت موقعاً مناسباً في جغرافية الإبداع الأدبي الروائي المعاصر؟ - حقيقة نحن نشهد نهوضاً روائياً متميزاً حيث أنجبت السنوات الأخيرة كماً لا بأس به من الأعمال الروائية التي أخذت موقعها المناسب بين الأعمال الروائية الأخرى والأسماء التي برزت على هذه الخارطة كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر القصيبي، والحمد وخال، والمحيميد، ورجاء عالم، والتعزي، وليلى الجهني، ونورة الغامدي، وتراوري وعلوان، والعتيق هؤلاء بشجاعة فتحوا نافذة جديدة يطل منها الآخرون على مجتمعنا بكل هيبته وخصوصيته ومحاذرة الاقتراب منه ونستشرف منها تداعيات أزمنة قادمة من خلال خصوصية سردية ولغوية مميزة إن كانت هذه صدرت في غضون سنوات قلائل فالسنوات القادمة ستشهد طفرة نوعية وكمية في فضاء الرواية السعودية فقط ما نحتاجه الآن ونفتقر إليه الاقتراب الحميم بين بعضنا البعض ولو من خلال جمعية تسهم في إبراز هذه الأعمال بشكل أوضح وتدعمها. ٭ كيف يمكن أن تصل الرواية إلى القارئ في ظل غياب دور نشر جيدة وموزع جيد؟ - لا أعتقد أن المشكلة في غياب دور النشر الجيدة والموزع الجيد، المشكلة تكمن في شروط النشر المسبقة للأعمال الإبداعية فعندما يضع الكاتب اللمسات الأخيرة على عمله الإبداعي يتجه تفكيره مباشرة صوب دور النشر الخارجية لماذا في تصورك؟ حتماً لأنه بذلك يريح رأسه من عناء الرقابة الإعلامية والدخول في دهاليزها واشتراطاتها المسبقة والنظر إلى الأعمال الإبداعية كأي معاملة قابلة للتأجيل لذلك تأجل دور النشر المحلية لاقتناء ما يتناسب مع قواعد المنع والفسح على اعتبار أن أي كتاب يجب أن يسبق بفسح مصدق من قبل رقابة المطبوعات في وزارة الإعلام بالرغم من تصريحات الوزارة المتكررة أنها تخلت عن أسلوب الرقابة الصارمة وهذا ما ننتظر الأخذ به. ٭ ما الهاجس الذي يملأ بياض ما بعد روايتك؟ - الولوج إلى فضاء الأمكنة والشخوص والأحداث يحرك ذائقة الحكواتي للكاتب وبالرغم من أن (مفارق العتمة) هي تجربتي الروائية الأولى إلا أنها حركت عوالم كانت إلى قبيل التعرف إليها ومكاشفتها خرساء هي الآن تنتظر فرصة البوح بتشكل روائي آخر تحت عنوان (ظلال المدن الموشحة) ستجد طريقها إلى النشر قريبا.