في العام 1966 ظهر فيلم (أرابيسك - Arabesque) للمخرج ستانلي دونين - مخرج فيلم الغناء تحت المطر -، وفيه تسرد حكاية استخباراتية بطلها عالم امريكي يؤدي دوره النجم الكلاسيكي - غريغوري بيك -، وضحيتها أمير عربي يدعى حسن. في هذا الفيلم هناك لمحات مستفزة وبغيضة مفادها ان العرب والمسلمين ماهم الا حفنة من الرعاع والبهائم الشهوانية التي لا تقيم اهتماماً الا لما يلي رغباتها الحيوانية، لا بل ان زعيمهم العربي الأصيل يقدم زوجته - صوفيا لورين - لتنام مع الضيف الأمريكي، امعاناً في الكرم!.. بعد هذا الفيلم وحتى الآن، لانزال نرى الافلام تسيء لنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، افلام تمنح الجمهور الغربي تصورات ومفاهيم خاطئة بل كارثية عن العرب، كفيلم «أكاذيب حقيقية 1994» لأرنولد شوارنزجر، وفيلم «الهروب من السعودية 1998» الذي استهدف المملكة العربية السعودية بشكل متطرف وغير موضوعي. ورغم كثافة هذه الأفلام ودورها الفاعل في رسم صورة نمطية عن العرب في ذهنية المشاهد الغربي العادي، إلا أن العرب لا يزالون يتعاملون معها بسلبية تامة، إذ اكتفوا فقط بمجرد معارضة تلك الأعمال والبكاء والنواح على اطلالها، ولا تكاد تمر سنة دون ان تسمع بكاءهم وشكواهم من هذا الفيلم او ذاك، يلهجون بمطالب المنع ولا لشيء سواه. ولا نذكر في تاريخنا السينمائي مبادرة إيجابية قدمها المسلمون لتحسين صورتهم وإظهار حقيقتهم امام العالم سوى تلك البادرة التي قدمها المخرج السوري مصطفى العقاد في سبعينات القرن الماضي من خلال فيلميه «الرسالة - وأسد الصحراء» والتي نوعاً ما أظهرت حقيقتنا، رغم انها ظلت اسيرة للنظرة الاستشراقية في بعض زواياها. وباستثناء هذه الخطوة الايجابية، لم يكن من حال العرب سوى الاغراق في لعن الظلام، وقتل اية محاولة تبذل من هنا او هناك من اجل ايقاد الشمعة التي ستحمل حقيقتنا على أكتاف ضوئها وتبعث بها الى بقية أنحاء العالم. ان تفكيرنا السلبي وانشغالنا برد الفعل وابتعادنا عن ساحة الفعل والتأثير، هو ما ادى الى سيطرة الغرب على الإعلام وفرض صورهم وافكارهم الخاصة بنا وجعلنا - نحن المستهدفين اساساً - عرضة لأن نصدق اننا نبدو فعلاً كما رسمونا في أفلامهم، اننا ارهابيون جهلة نتمرغ في اوحال العهر والرذيلة. لكن ورغم كل شيء، لابد للغمامة ان تنقشع ولابد من نهاية لسلبيتنا هذه، ولابد ان يظهر ذلك الشخص المبادر الذي يحمل الهم ويسعى بما اوتي من جهد وطاقة لتغيير الواقع وفرض شكلنا وصورتنا الانسانية النبيلة السامية على جمهور الغرب. وقد بدت تلاويح هذا التغيير وبرزت بوضوح على سطح الاعوام الثلاثة الماضية وذلك من خلال مجموعة من الافلام التي قدمت حقيقة الاسلام الناصعة، افلام صبت في خانة التفاعل الإيجابي مع الصراع الفكري والحضاري الذي صبغ العالم بصبغته بعد الحادي عشر من سبتمبر.. وفي تقريرنا هذا سنتحدث عن أبرز هذه الاعمال.. التي نتطلع ان تكون بداية اهتمام وقبل ذلك ايمان من المسلمين بقيمة هذا السلاح الإعلامي الخطير وبمضاء أثره.. فيلم (محمد: سيرة نبي - Muhammad: Legacy of A Prophet) فيلم وثائقي عرض على قناة pbs الأمريكية، من انتاج الكساندر كرونمر ومايكل وولف. وكما هو واضح من عنوانه، يحكي الفيلم قصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ البداية وحتى النهاية، حيث تحدث في بدايته عن حال العرب قبل بعثة الرسول، وأبان الى اي مدى وصلت بهم الحال في الجاهلية، حتى ظهر فيهم الطفل محمد بوجهه الوضاء لينتشلهم مما هم فيه من غي وضلال إلى نور التوحيد والإسلام، وليصنع - بوحي وتوفيق من الله - أمة جاوز عدد افرادها المليار نسمة. والفيلم يوضح في البداية لم وقع الاختيار على «محمد»؟ ويجيب الراوي: «لأن الإسلام هو الدين الأسرع انتشاراً في العالم، وتحديداً في أمريكا، فلقد وجب ان نلقي الضوء على صانع هذا المجد، محمد، ولنبرز - كذلك - للجمهور الأمريكي كم هي عظيمة هذه الرسالة التي جاء بها». منتج العمل اليهودي الذي اسلم «مايكل وولف» يتحدث عن الدافع المحرك وراء إنجاز هذا العمل: (هذا العمل كان حلم حياتي، حيث شغلتني لوقت طويل فكرة تقديم سيرة حياة شخصية عظيمة كشخصية نبينا محمد.. وهدفي من ذلك توجيه القصة للشعب الأمريكي من غير المسلمين والذين ربما لم تتح لهم الفرصة لسماعها بالشكل الصحيح، لقد رغبت تعريف مجتمعي بديني الحقيقي وبالشخصية العظيمة التي حملت دعوته.. وان اوضح من خلال ذلك لكل من اتهمني وانتقص من قدري حين تركت اليهودية، انني كنت في وقت من الاوقات ابحث عن معنى للحياة فلم اجده سوى في الإسلام وقد اعتنقته عن ايمان وقناعة». الفيلم الذي خلا تماماً من الشوائب وكان منصفاً وأميناً الى حد كبير في نقل وقائع السيرة المحمدية، حفل بمشاركة العديد من الدعاة الامريكيين المسلمين، من ابرزهم الداعية المعروف حمزة يوسف الذي شدد اكثر من غيره على ان رحلة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن الا من اجل ارساء قيم التسامح والانسانية. فيلم (urning Muslim in Texas(?يرصد هذا الفيلم عملية انتشار الإسلام في ولاية تكساس الأمريكية خلال السنتين الماضيتين، هذا الانتشار الذي كان سريعاً بشكل حول الأمر الى ما يشبه الظاهرة، وهو ما قاد القناة الرابعة الأمريكية التي تبث في ذات الولاية لأن تنتج العمل بحثاً عن تفسير لهذه الظاهرة التي عمت الولاية المسيحية الأكثر تطرفاً في امريكا. الفيلم ذو الطابع الوثائقي عمل على مقابلة هؤلاء المسلمين الجدد ليأخذ منهم افكارهم بمنتهى الموضوعية والنزاهة، مانحاً إياهم فرصة تبرير ردتهم الروحية هذه. وقد ابرز الفيلم عدة لقطات لهم وهم يؤدون شعائرهم، واحتوى كذلك على لقطات مؤثرة ومفاجئة لعدد من النسوة اللاتي ارتدين الحجاب بشكل غطى كامل اجسادهن. ورغم ان صناع الفيلم ليسوا بمسلمين، الا انهم كانوا منصفين بشكل بدا كأنما هم يدعون الى الاسلام نفسه. فيلم (محمد: خاتم الأنبياء - Muhammad: The Last Prophet) فيلم كرتوني من انتاج رجل الأعمال السعودي موفق الحارثي وبكلفة جاوزت الاثني عشر مليون دولار امريكي. فكرة الفيلم اسرت موفق الحارثي فترة من الزمن حتى قرر في العام 1999 البدء بتنفيذ العمل حين اتفق مع مخرج الرسوم المتحركة الامريكي ريتشارد ريتش - احد ابرز مخرجي ديزني - على إخراج العمل بصورة متقنة توازي نظيرتها في الافلام الرسومية العالمية الأخرى. وفيما يتعلق بمضمون العمل فهو يحكي قصة حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبصورة مشابهة لما قدمه العقاد في فيلم «الرسالة»، ورغم انه لم يأت بشيء جديد على هذا الصعيد، إلا أن ما يحسب له هو مجرد كونه فيلماً كرتونياً، إذ أنه في هذه الحالة سيكون موجهاً للأطفال، يخاطبهم بلغة مباشرة يسهل عليهم إدراكها واستيعابها. وعند الانتهاء من عملية صناعة الفيلم قبل نهاية العام 2001، واجه الحارثي صعوبة بالغة في توزيع الفيلم داخل امريكا، حيث لاتزال اصداء هجمات سبتمبر عالية بشكل كاد ان يوصد امامه اي نافذة لترويج هذا العمل الجميل. الا ان الامور تحسنت بعد ذلك، ليعرض الفيلم خلال خمسة ايام متتالية في اكثر من ثلاث وتسعين دار عرض امريكية وليبيع خلال هذه الفترة القصيرة اكثر من خمسة عشر مليون تذكرة، كما وسع من دائرة انتشار الفيلم ليشمل دولاً مختلفة كتركيا - لبنان - مصر ، والبحرين التي عرض فيها خلال شهر رمضان الماضي، وليحقق بهذا كله المنتج الحارث الهدفين، الأول الربح المادي المجزي والكبير، والثاني هدف الدعوة والتنوير بحقيقة هذا الدين وحقيقة نبيه الذي بعث رحمة للعالمين. اذن كانت هذه اعمال سامية في اهدافها، صنعها رجال آمنوا بهذه الوسيلة، رجال منتجون لم ينشغلوا بالبكاء والنواح ومطالب المنع ضد هذا الفيلم وذاك، بل قفزوا مباشرة الى الفعل.. وتجربتهم هذه تثبت ان الامر متاح وبسيط خال من التعقيدات.. لكن فقط لأولئك الجادين.. من امثال السعودي موفق الحارثي والامريكي مايكل وولف، وكذلك الجزائري اسماعيل فروخي الذي قدم رحلة الإسلام العظيمة في فيلمه (الرحلة الكبرى).. فقط ما نحتاجه: قليل من التفكير الإيجابي..