تخيل نفسك على غير الهيئة الكاملة التي متعك الله بها الآن، لاتملك قدماً تغدو بها وتروح في دورب الارض باحثاً عن رزق حلال، ولا تستطيع ان تنتقل من مكان لمكان الا بواسطة، واثقال على من حولك؟! وكيف بك ان حرمت متعة النظر للحياة بنور عينيك، فلا تراها الا وصفاً وكيف بك ان حرمت نعمة الاستماع، فأنت معزول في نفسك لاتفقه ما يدور حولك لأنك لا تسمعه؟! وكيف بك اذا كنت فاقد العقل، غير مميز بين ما ينفعك ويضرك، وما يغضبك ويسرك؟! كيف تحب ان يكون تعامل الناس معك، وكيف تريد ان يكون شعورهم نحوك؟!! اما وانت متمتع بكل حواسك والحمد لله فهذا من نعم الله عليك، ونعم الله لابد لها من شكر، لابد ان تقول: الحمد لله الذي عافني مما ابتلى به كثيراً من خلقه، ولكن ليس هذا كل شيء فلابد من شكر عملي بعد شكرك القولي، وهو مساعدة من ابتلاه الله بمثل تلك الاعاقات، وان لم تفعل فأنت معوق، نعم معوق باعاقة خطيرة اخطر مما ذكرنا من انواع الاعاقات، لأنك معوق الفؤاد، متعطل الاحساس والتعقل في نعم الله عليك: {وجعلنا لهم سمعاً وابصاراً وأفئدة فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بآيات الله}. وانت اذ تساهم ببعض مالك الذي اعطاك الله، فأنت تحفظ النعم التي اعطاك الله ايضاً: {وما تنفقوا من خير يوف اليكم وانتم لا تظلمون}. فهو منك واليك، تحفظ نعمة الله عليك، هل تستطيع ان تشتري اياً من تلك النعم بكنوز الارض؟! هي اشياء لاتشترى. وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق ابي هريرة انه قال: «ما من يوم يصبح فيه العبد، الا ملكان ينزلان، فيقول احدهما: اللهم اعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم اعط ممسكاً تلفاً» والاحاديث التي تحث على الانفاق كثيرة وكلها تؤكد عظمة هذه الطاعة ويكفي انها تطفئ غضب الرب، وهي من صنائع المعروف التي تقي مصارع السوء، ولاتحقرن من المعروف قليله، فكما قال الامام علي رضي الله عنه: «لا تمنع القليل فإن الحرمان اقل منه» والقليل بجانب القليل كثير ومؤثر، ومشجع للآخرين على المشاركة. وفي العام الماضي كان لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان لقاء طلابي في رحاب جامعة الامام محمد بن سعود، قال فيه: لو تنازل كل فرد عن ثمن وجبة واحدة من البتزا، لجمع مبلغاً كبيراً، يقضي اموراً عدة للمعوقين، وكانت لفتة جميلة حينما ابدى رؤية سهلة التطبيق، وعميقة التأثير في آن واحد، ويا له من تقليد لو عملناه في كثير من سلوكياتنا لحصل للمجتمع خير عميم. وان كان الله يقبل النفقة في كل الايام فإنها تكون اكثر قبولاً في بعض المواسم ومن هذه المواسم شهر رمضان المبارك الذي يضاعف فيه الاجر، ولايخفى على العيون الدعم الذي تقدمه الحكومة للمعوقين، ولكنه غير كاف وحده فلا بد من مؤازرة اهلية، حتى يحس هؤلاء المعوقين بأن المجتمع يقوم بدوره تجاههم على اكمل وجه، وانهم جزء منه يهتم به ويبحث له عن حقوقه، التي كفلها له الإسلام، وفق الله العاملين على راحة المعوقين.