رواية «بنات الرياض» للكاتبة الجديدة رجاء عبدالله الصانع، أثارت اهتمام المتابعين،فكتبت عنها الصحف العربية، وتم الترويج لها على نحو غير مسبوق في الإعلام، وهي بهذا المعنى أصبحت حدثاً اجتماعيا. ولعل الكتابات عنها تغنينا عن شرح مضمونها، أو تقديم شخصياتها، فقد قرأ تلخيصاتها عدد كبير من القراء. تبدو قصص النساء في هذه الرواية قد اكتست طابعها المحلي، وهي لاتختلف عن الكثير من الروايات والقصص القصيرة السعودية التي صدرت في السنوات الأخيرة،ولعل احداثيات النساء فيها،تمثل انشغالات مجتمع كل شيء يسير فيه رهواً وزهواً وانبساطاً،أما تعارضات مفاهيم مثل الحرية والتزمت، الحقوق والواجبات،الشرف والخطيئة، الى ما إليه من ثنائيات، تبدو في تقدم أهميتها قصصيا، قد أغنت عن الكثير من الشروح في ميادين التوترات الاخرى. ربما تذكرنا الضجة التي صاحبت صدور رواية «بنات الرياض»، بالشهرة التي اكتسبتها رواية «علاقات خطرة» لجاك دي لاكلو،وهي من بين رسائل عاطفية كثيرة سادت في فرنسا القرن الثامن عشر.إن صحت المشابهة،فهي تقّربنا الى درجة القياس في التقدم المديني والحضاري،ولكنها لن تصرفنا عن الاهتمام بالخصوصية التي تميز بلداً عربياً مثل السعودية ونوع ثقافته في الحب. هناك ما يدفع الى الاعتقاد بأن الرواية تكتب عن عصرين متباعدين، وبيئتين ثقافيتين تتناشزان دون إدراك سنن ذلك التناشز،ففي مفتتح قصص النساء، تستعين المؤلفة بأقوال لأسماء سقطت من ذاكرة الجيل الجديد في بلدان غير السعودية : نزار قباني وابراهيم ناجي ومحمود المليجي ويوسف وهبي وفاروق جويدة، عدا عن مقتطفات من ت.س. إليوت وأوسكار وايلد وطاغور،ومن جهة أخرى تستعين بالأحاديث والتفسيرات القرآنية.الزمن الثقافي هنا يؤشر الى تقاطعات في الذاكرة المحلية التي تتجاور فيها آخر التقليعات والاغاني ووسائل الاتصال، مع ماتبقى من ثقافة قديمة أوثقافة وصلت متأخرة.ولكن تلك الاستشهادات التي تبدو أقرب الى كليشات روايات مابعد «ذاكرة الجسد»، يمكن حذفها بسهولة، او تجاهلها، ولكنها هنا في هذا الحيز، تبدو علامة لدارس بُعد الرواية الاجتماعي، فهي تدوين للذائقة أو إشهار لقواعد اللعبة بين المؤلف ومتطلبات صورته كما يريدها. التناشز بين الأزمنة الثقافية،يقدم كشفاً بالخصوصية المحلية، ولا يمتص زخم الجانب الشبابي الذي يريد ان يغضب ويحنق ويتمرد دون مساءلة، أو أنه يطمح ان تصل الرسالة محملة بعبق إمرأة تثير الفضول وتضاعف الاهتمام بقصتها. لا علينا من الأخطاء اللغوية والصيغ الغريبة في تعريب الانكليزية، فهذه الفوضى بتخيلنا ستكون أقرب الى كتابة المستقبل، فثورة الانترنيت ستمحو نظام العربية القديم، وستخرج اللغة من جبتها وعمامتها، وسيكون القراء على موعد مع فصاحة من نوع مختلف. ربما تذكرنا رواية «بنات الرياض» بما لكتابات إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، من قدرة على الجمع بين مغامرات قصص «الجيب» وشعرية مديح النساء التي انتشرت في زمانهما. ولا نعرف لماذا يخاف المؤلفون العرب من نسبة أعمالهم الى هذا النوع من الأدب، أو ما يسمى بأدب العوالم النسائية الناعمة، فالجّد في مفهومنا يرتبط بالفقر والنكد. البريطانيون الآن يعيدون الاعتبار لأدب أجاثا كريستي، بعد أن دلت الاحصاءات على ان رواياتها هي الأكثر انتشاراً في العالم،كما أدرك الفرنسيون قيمة فرانسوا ساغان، فهذا النوع من الكتابة مفتاح ثقافة الشعوب والأجيال التي لم تتعود القراءة. فالمكوث في المكان والانصراف الى القراءة، لن يكون سهلاً في بدايته إلا عبر روايات جاذبة لايعسر هضمها. على هذا تدرج أعمال مثل «بنات الرياض» في باب أدب الحياة المتفاعلة التي يمكن معاينتها ضمن صراعات مجتمع الطفرة النفطية والرفاه،ولايمكننا والحالة هذه تضخيم الأذى والفوارق عبر الأعمال الأدبية البكاءة التي تضج بالشكوى النسائية، بل ان ما جاء به هذا العمل وبعض الروايات والقصص السعودية، هو ما يمكن أن نسميه تصوير حيّل الضعيف للتخلص من التسلط،وبناء ممكنات التمتع بفسحة حريته، والتطلع الى مجتمع انساني متفاعل مع العالم. هل كانت رواية رجاء الصانع قد لامست تلك الخفايا التي أرادتها ان تكون أقرب الى فضيحة روائية؟. مقدمة الرواية تضع الطعم في السنارة، فهي تخبرنا أنها تكتب من موقع اسمه «سيرة وانفضحت » و«لكل من هم فوق الثامنة عشرة». والحق ان ماتكتبه المؤلفة لايوجد فيه ما يستوجب هذا الحذر، فقد سبق ان كُتبت على حد علمنا، الكثير من القصص التي تشابه حوادث الرواية، إن لم نقل ان سيرة الحب التي ترد في كل الروايات تعكس مجتمع يتخفى خلف أدوات الاتصال الحديثة ومنها التلفون والانترنيت، واللقاءات المختلسة داخل البلد وخارجه. ولعل رواية محمد حسن علوان «سقف الكفاية»، تكشف مواقف نسائية أكثر جرأة مما تتورط به بطلات هذه الرواية، كذلك رواية زينب حفني «لم أعد أبكي» التي تصّور عوالم النساء المترفات والمتطلعات الى العمل في الصحافة والمشتبكات مع مراكز قوى النشر المهيمنة.كما تصور محنة الشاعر في تطلعه الى حرية الكلمة عن الحب والعلاقات الانسانية، وهي عند هذه النقطة توازي ماجاء في رواية رجاء الصانع، اي تشخيص ذلك التوازن بين مظلومية الرجل والمرأة في هكذا مجتمع. تسوقنا رواية الصانع، ربما دون قصد من المؤلفة، الى الشعور بورطة الرجل عندما يخضع الى أعراف المجتمع الابوي، عبر شخصيات مثل راشد التنبل، الذي يضطر القبول بزيجة لايحترمها وهو يحب إمراة يابانية تتفهم إنسانيته أكثر من زوجته المتخفية خلف ثياب أمها، مثلما تتساوى ازدواجية فراس المهوس بالعطاء اللفظي مع ورطة الفتاة المستجيبة له في المكوث عند عالم لها فرصة رفضه او الهروب منه، فهي فتاة تملك المال والحرية التي تمكّنها من العيش وحيدة في مكان آخر، ولكنها حسب قصص الحب الرومانسي، تحب تعذيب ذاتها على قدر من المساواة مع تمرس حبيبها في هذا الكار. الممتع في هذه الرواية، عوالمهم المحدودة التي تقوم على وصف طقوس الأعراس والحفلات والملابس، وهي طقوس تدلل على شكلانية الأعراف الاجتماعية في الإعراب عن الثروة والجاه. و لاتبدو تلك الطقوس موضع رفض الخطاب الروائي، بل هي مكان أو حيز فني تتحرك البطلات داخل حدوده. فالعرس مناسبة لاستعراض المواهب الجمالية والفروقات في أذواق النساء، بل هو فرصة لاظهار الحيز الاجتماعي، حيث ترقص النساء ويستعرضن أجسادهن وتسريحات الشعر ويكايدن العرسان المحرجين في الغالب من هكذا مناسبات. وسنرى ان مهنة تنظيم تلك الحفلات، هي الأكثر ربحاً، أو هي وسيلة الدخول الى عالم المال، لذا تفكر بطلات الرواية بفتح شركة للمضاربة في سوق الحفلات. هل حقاً يمكن ان نحتسب هذه الرواية ، رواية أنترنيت؟ ربما تدفعنا صيغة كتابتها الى التسليم بهذا الامر، ولكن هذا النص شديد الصلة بعالم الكتاب المقروء، وعدا التعليقات من قراء الموقع المفترض حول حوادث الرواية، فانها لاتخرج عن القص الذي يعتمد صيغة التعاقب في المصائر، لمتابعة يوميات النساء، ولكن حجة الانترنيت الفنية، هي المبتكرة، بما فيها الموازنة في اللغة بين الجد والهزل. الاحتفاء بهذه الرواية، يعيد السؤال من أوله حول الكتابة النسائية من حيث قدرتها على حصد الانتباه، وبالأخص إذا وجدت داعمين حقيقين، حيث تحل ضربة الحظ المدوخة. الكثير من الروايات التي تتحدث عن المجتمع والمرأة السعودية، جديرة بالقراءة، لانها توازي الجهد السوسيولوجي في قراءة الواقع اليومي، ولكن كل تلك الروايات تحتاج الى ترويج،كما يقال بلغة الغرب الصحافية،وهي طريقة مشروعة لنشر الكتاب. بيد ان التشابك بين أدب المرأة وسياسة الترويج، يصبح المشكلة التي تعيدنا الى المربع صفر في قراءة الأعمال النسائية، فذلك الانتشار لا يخدم قضية الكاتبة قدر ما يعلّمها أن تكون نجمة، وأن تتحايل وتتعب كي تكسب هذه الصفة.وبهذا تجعل المرأة من وجودها داخل الفعالية الثقافية، وجودا يفتقد الى المنافسة المعرفية والجمالية، ويقوم على رافعات تسيء الى ممكنات النظر اليها على أساس الند أو الشريك الحقيقي في بناء القيم الثقافية للمجتمعات.