انتشرت في السنوات الأخيرة حلولٌ ميسرة من قبل صندووق التنمية العقاري من خلال الموافقة على تملك المواطنين وحدات سكنية بمساحات مختلفة في مجمعات سكنية تتكون من شقق تمليك مشتركة في الخدمات العامة، ووجدت هذه الوحدات قبولاً كبيراً لدى كثير من الباحثين عن السكن، بيد أنَّه مع غياب الأنظمة والاشتراطات التي تعمل على حماية الوحدات السكنية مشتركة الخدمات والعمل على صيانتها والاهتمام بها تردت أوضاع العمائر مشتركة الخدمات، إذ أبدى كثير من ملاّك هذه الشقق المشتركة في الخدمات أسفهم على إقدامهم لتملك منزل العمر في عمائر ومجمعات سكنية مشتركة في الخدمات. وحدَّد متخصصون خارطة طريق لحل مشكلات هذه الوحدات العقارية، وقدموا خلاصة تجاربهم للجهات الحكومية التي يفترض أن تتولى تنظيم العلاقة بين المُلاك وتحفظ حقوقهم، خصوصاً مع تزايد القضايا التي تنظرها المحاكم للفصل في خلافات مالكي الوحدات السكنية أو ما يُطلق عليها شقق التمليك، في ظل ترقّب طرح عشرات الآلاف من الوحدات السكنية من قبل «وزارة الإسكان» ضمن منتجاتها السكنية، ومثل هذه المستجدات تستدعي وجود علاقة تنظيمية وإشرافية ملزمة للمُلاك داخل المبنى الواحد، وحتى يتحقق إنشاء اتحاد مُلاك ذي صفة اعتبارية يلزم جميع أعضائه بما يقره ويحفظ حقوق المنتسبين له، فإنَّ الواقع اليوم يستلزم صياغة جديدة لأنظمته وآلياته، وقبل ذلك كلّه تعيين جهة حكومية تكون مظلة له وتتولى الإشراف عليه. تنظيم القطاع وقال "م.أحمد الفقيه" -خبير عقاري، وأحد المستثمرين في قطاع الوحدات السكنية-: "إنَّ نظام جمعيات اتحاد الملاك هو قرار لم يتجاوز مرحلة الورق، حيث ظلَّ دون فاعلية إلى أن أصبح غير ملزم ولا يُعتد به"، مُضيفاً أنَّ نظام جمعيات اتحاد الملاك الذي أُقرَّ في مرحلة سابقة لم يُفعَّل بالشكل المطلوب، وذلك على الرغم من فائدته الكبيرة في تنظيم هذا القطاع، إلى جانب دوره الكبير في جذب استثمارات أكبر لهذا القطاع. وأضاف: إنَّ هذا الأمر سيُوفر الأمان للمستثمرين والملاك على حدٍ سواء، في ظل وجود جهة اعتبارية تضمن حقوقهم وتحمي ممتلكاتهم ضد أيّ أخطار محتملة في حال تمَّ تطبيقه، لافتاً إلى أنَّ عدم تفعيل قرار جمعيات المُلاك وبقائه بصورته الحالية سينجم عنه أضرار كبيره لكل من المستثمرين والمواطنين الذين سيجدون أنفسهم عاجزين أمام أيّ مشكلة تنشأ بين الملاك، في ظل غياب نظام ملزم لجميع الأطراف. وطرحَ فكرة تولي جهة حكومية تطبيق هذا النظام، مُقترحاً أن تكون "وزارة التجارة" هي الجهة المرجعية للنظام؛ وذلك لضمان تفادي نشوب المشكلات بين مُلاك الوحدات العقارية في المبنى الواحد، متمنياً أن تتم التحركّات بشكلٍ أسرع من جانب الجهات الحكومية واللجان الوطنية العقارية، وذلك للحدّ من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمستثمرين في هذا النشاط، الذين هم من أبناء الوطن ويستثمرون مئات الملايين لتقليص فجوة الطلب الكبير على الوحدات السكنية. وجود هيئة اعتبارية لها قوة التنفيذ يساهم في حل المشكلات وينظم العلاقات بين الملاك اختلالات كبيرة ورأى "فهد بن علي" -مُطور عقاري- أنَّ غياب تفعيل نظام اتحاد الملاك أدّى إلى حدوث اختلالات كبيرة في علاقة المُلاك ببعضهم البعض، كما أنَّه نشأ عنه إشكالات متعددة، منها ما تمَّ تصعيده إلى أن وصل لأروقة المحاكم، ومنها ما تمَّ ويتم حفظه في "إرشيف" أقسام الشرطة، موضحاً أنَّ كثيرا من المُلاك باعوا شققهم بخسارة وغادروا إلى مواقع أخرى، كما أنَّ منهم من أجَّر وحدته السكنية تجنّباً للمشكلات ورغبة في الخروج بأقل الخسائر. علاقة مُلزمة وذكر "عبدالهادي يونس" جانباً من مشكلات المجمعات السكنية مُتعددة المُلاك، مُضيفاً أنَّ هذه التجربة غير جيدة في الغالب؛ نتيجة غياب العلاقة التنظيمية المُلزمة لساكني هذه الوحدات، مُتحدثاً عن تجربته الشخصية التي وصلت إلى الشرطة نتيجة تعنّت أحد السكان، الأمر الذي تسبب في تأزّم العلاقة بين المُلاك، لافتاً إلى أنَّه قرر بيع وحدته السكنية والبحث عن "فيلا" صغيرة، حتى لو كانت في منطقة بعيدة، وذلك بعد أن تكررت مشكلات المباني مُتعددة المُلاك. وأشار إلى قصة أخرى كان أحد ضحاياها زميل له، مُضيفاً أنَّها حدثت في أحد مباني الإسكان الجنوبي، موضحاً أنَّ زميله هذا اشترى وحدة سكنية وأجرى تصليحات كلفته مبالغ مالية كبيرة، إلاَّ أنَّه بعد مرور عدّة أشهر على سكنه في شقته الجديدة بدأت تظهر تسريبات من دورات مياه شقة جاره في الدور العلوي، وبعد تردده على جاره الذي يسكن في الشقة العلوية طالباً منه إصلاح الخلل، وجد أنَّه يرفض الأمر جملةً وتفصيلاً. وأضاف أنَّه عرض عليه أن يتحمل تكاليف الإصلاح وتكاليف استئجار شقة مفروشة خلال هذه الفترة، بيد أنَّه رفض هذه العروض، فما كان منه إلاَّ أن باع شقته بعد تحمّله خسائر كبيرة. نظام التمليك وأوضح "عائض سعيد" أنَّه اشترى وحدتين عقاريتين بنظام التمليك لاثنين من أبنائه اللذين تزوجا حديثاً، وذلك بعد أن لاحظ الارتفاعات الكبيرة في أسعار إيجار الشقق، الأمر الذي جعله يتوجّه إلى أحد البنوك لشراء هاتين الوحدتين بعد حصوله على قرض عقاري، مُشيراً إلى أنَّ نظام تملّك الوحدات السكنية هو الحل، خصوصاً للشباب المقبلين على الزواج أو المتزوجين حديثاً، كما أنَّه سيحل مشكلة عدم حصول كثير من المواطنين على سكن. وأكَّد على أنَّ ما يثير قلقه وتوجسه هو ما يسمعه من خلافات تنشأ بين المُلاك أو المستأجرين من جانب المُلاك، حيث يدفع ثمنها غالباً أُناس لا ذنب لهم سوى أنَّهم ابتلوا بجيران سلبيين، داعياً الجهات المعنية إلى سرعة إقرار نظام يحفظ الحقوق ويُنظم العلاقة بين المُلاك؛ لأنَّه لو -لا قدر الله- حدثت مشكلة لأبنائه واضطروا للخروج من هذه الوحدات فإنَّ ذلك سيكون أمرا مُحزنا له. مشروع متكامل ولفت "خالد الغامدي" -رئيس طائفة العقار بالغرفة التجارية بمحافظة جدة- إلى اهتمام اللجنة العقارية في الغرفة بملف اتحاد المُلاك وتحويل الملف إلى مجموعة من المختصين لتقديم دراسة وافية ترفع للجنة الوطنية للعقار في مجلس الغرف السعودية؛ لكي يتبلور مشروع متكامل بهذا الخصوص، على أن يُرفع بعدها للجهات الحكومية المختصة لإقراره، موضحاً أنَّ تنظيم الوحدات السكنية متعددة المُلاك بحاجة إلى تنظيم متكامل يبدأ من "وزارة العدل" بفرز الصكوك للوحدات العقارية. وأضاف أنَّ ذلك سيُتيح للمواطن شراء وحدة سكنية مفروزة الصك، ولا يسمح بالبيع على الخارطة دون ضمان الحقوق من جهة مرجعية موثقة، مُؤيداً الآراء التي ترى عدم جدوى النظام الحالي للمُلاك، مُشيراً إلى أنَّ من ملامح هذا المشروع في اللجنة العقارية هو طرح فكرة إنشاء شركات متخصصة تدير تلك الوحدات وتُنظّم العلاقة بين المُلاك فيما يتعلق بالصيانة والنظافة، وغيرها، إلى جانب ضمان التزام المُلاك بتسديد الرسوم بحيث يتم تضمين عقد البيع رسوم الصيانة السنوية المقررة. كيان اقتصادي وتوقّع "الغامدي" أن تظهر العديد من المبادرات لإيجاد علاقة تنظيمية لمثل هذا النوع من الوحدات، في ظل التوسع الكبير في طرح الوحدات السكنية، وبناء "وزارة الإسكان" عشرات الآلاف من الوحدات السكنية، مؤكّداً على أنَّ "وزارة الإسكان" لن تغفل مثل هذا الأمر؛ لكونها صاحبة تجربة سابقة في عمائر الإسكان التي تمَّ توزيعها على المواطنين، مُشيراً إلى أنَّ هناك العديد من الفوائد التي ستتحقق من إنشاء كيان اقتصادي يدير هذه الوحدات. وأوضح أنَّ من أبرز هذه الفوائد خلق فرص وظيفية بأعداد كبيرة، سواءً للمهنيين والفنيين في أعمال الصيانة وفي الوظائف الإدارية، وقبل ذلك تنظيم علاقة المُلاك والحدّ من الخلافات وتخفيف العبء على الأجهزة الحكومية ذات العلاقة. حفظ الحقوق وأكَّد "خالد المحمادي" -مستشار قانوني- على أنَّ ضعف دور جمعيات اتحاد المُلاك المعمول به حالياً، تسبب في نشوء العديد من المشكلات بين المُلاك في المبنى الواحد، حتى إنَّ بعضها وصلت إلى أروقة المحاكم، مُضيفاً أنَّ عدم وجود جهة أو مرجعية لهذه الجمعيات يمكن للملاك الرجوع إليها حفظاً لحقوقهم، أدَّى إلى فقدانها الفاعلية والتأثير المطلوبين، مُشيراً إلى أنَّ غياب وضعف دور الجمعيات انعكس في ضياع الحقوق وإشغال السلطات الأمنية والعدلية. ودعا إلى استنساخ تجربة الأماكن المطورة، خصوصاً تجربة هيئة تطوير المدن ومشروعها في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، الذي ينظم العلاقة بين المُلاك ويحدد المرجعية ويرسم العلاقة بين المُلاك وبين إدارة المدينة، لافتاً إلى أنَّ تطبيق هذا النظام سيوفر الكثير من العناء ويضمن علاقة متميزة بين المُلاك ويحفظ حقوقهم ويردع المتهاونين. بعض المُلاك اضطروا لتأجير شققهم أو بيعها تجنّباً للمشكلات فهد بن علي م. أحمد الفقيه خالد الغامدي خالد المحمادي