قِلة من الباحثين والنقاد في ساحة الشعر النبطي –والأدب الشعبي عموماً- هم الذين يمتلكون الشجاعة لإبداء وجهات نظر وإصدار أحكام نقدية مخالفة للسائد استناداً إلى خلفية ثقافية واسعة وتأمل وبناء على مؤشرات ودلائل ملموسة، والدكتور سعد الصويان أحد أولئك القلائل ممن تجد في طرحهم الجِدة والتميز وكذلك الجرأة في نسف الكثير من المقولات والأحكام والتصورات –لاسيما المرتبطة بالثقافة الشعبية- التي نستقبلها ونؤمن بها دون تمحيص لكثرة ما ترد على مسامعنا لتصبح مع مرور الزمن اعتقادات راسخة تصعب زحزحتها أو تغييرها. ومن أبرز التصورات الخاطئة التي قام الصويان بجهد كبير ورائع لتقويضها، من خلال جمع ودراسة النصوص الشعبية الشعرية والنثرية دراسة علمية، ذلك التصور الغريب عن حياة الإنسان في جزيرة العرب قبل عقود غير بعيدة من الزمن بأنها حياة همجية ووحشية تعمها الفوضى المطلقة ولا يحكمها أي أنظمة أو قوانين تحكم العلاقة بين أفرادها وقبائلها والمجتمعات المحيطة بهم، فصورة (البدوي المتوحش) صورة نمطية لا تحملها أذهان الرحالة الأجانب والمستشرقين فقط، بل هي صورة يكاد يحملها معظم أبناء الجزيرة العربية عن أجدادهم الراحلين، فمن خلال مؤلفه القيّم (الصحراء العربية ثقافتها وشعرها عبر العصور قراءة أنثروبولوجية) قام الصويان بنقض هذا التصور الراسخ بتوسع في باب (سلوم العرب) التي ذكر بأنها كانت "تحكم تعامل القبائل مع بعضها البعض وكذلك مع الحضر والعالم الخارجي (...) وتضمن استمرار وجودهم وسلامة حياتهم وممتلكاتهم في ظل انعدام السلطة المدنية" وقام بإيراد الكثير من الشواهد الشعرية والنثرية القديمة التي تدعم رأيه الذي يتعارض مع إطلاق هذا التصور عن ذلك الزمن. ولفت نظري أيضاً في حوار الدكتور سعد الصويان الأخير مع الزميل علي المفضي في البرنامج المميز (رحلة في وجدان شاعر) حديثه الصريح عن شعراء النبط القدماء كابن لعبون والشويعر وابن ربيعة والقاضي وابن سبيّل ورميزان وجبر بن سيار، وتمييزه بين أساليبهم في كتابة القصيدة بناءً على رؤيته النقدية واطلاعه الواسع على أشعارهم، وقد جاء حديثه الموجز أشبه بالرد على العديد من الآراء الغريبة لبعض الكتاب والشعراء والمتلقين الذين يُعيدون اسطوانة المفاضلة بين الشعر النبطي القديم والجديد دون وعي بتمايز أسلوب كل شاعر أو مجموعة شعراء عن الشعراء الآخرين من معاصريهم، ما يجعل من عملية المفاضلة عملية صعبة أو عبثية ولا تعدو أن تكون في معظم الأحيان تعصباً لشعر عصر من العصور ضد آخر أو محاولة عقيمة لإثبات التفوق بالكلام المجاني..! أخيراً يقول المبدع راشد النفيعي: ما هد قلب الشعر وأنتِ وريده الا بعد ما قلتِ القرب كايد ليلة لقانا كان مولد قصيدة وليلة وداعك مات فيها قصايد!