لا يتناول فيلم "اقتل حامل الرسالة-Kill The Messenger" قصة غريبة عن المعتاد، فبطل القصة هو صحفي حاول الكشف عما هو مسكوت عنه ودفع نتيجة لذلك ثمناً غالياً. ولكن ما يميز قصة هذا الفيلم هو أولاً الفضيحة التي كشفها الصحفي غاري ويب والتي تؤكد قصر نظر السياسات الخارجية الأمريكية وتدميرها للداخل الأمريكي، وثانياً كيف يمكن للتنافس بين أصحاب المهنة الواحدة أن يعميهم عن أخلاقيات المهنة فيدمر أحدهم الآخر. لا شك أن عبارة "أحداث الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية" التي يبدأ بها الفيلم كفيلة بأن تجعل المشاهد متيقظاً منذ البداية، لأنه يتوقع أن يرى قصة مثيرة وواقعية، وهو ما يتوفر إلى حد كبير في الفيلم. فأحداث الفيلم، الذي كتبه بيتر لاندسمان، والتي تدور في عام 1996 مستمدة من كتاب يحمل نفس العنوان كتبه نك شو، بالإضافة إلى كتاب غاري ويب "الحلف الخفي" "Dark Alliance"، حيث يكشف الصحفي في جريدة "سان هوزيه ميركوري نيوز"، غاري ويب (جيرمي رينر)، عن تعاون وكالة المخابرات المركزية (السي آي إيه) مع تجار المخدرات، مستخدمة أرباح بيعها في تمويل جماعات في دول أخرى لتقويض أنظمة تعاديها، ومساهمة بذلك فيما عرف بأنه "وباء الكراك"، والكراك هو نوع من أنواع الكوكايين الذي انتشر بشكل كبير في الولاياتالمتحدة وبالذات في المناطق الفقيرة منذ عام 1984 وحتى فترة التسعينات. وتبدأ الحكاية بأن يقع "ويب" أثناء تغطيته الصحفية لإحدى قضايا المخدرات على شاهد يقر بأن له علاقة مباشرة بوكالة المخابرات المركزية. يثير هذا الموضوع انتباهه فيذهب إلى نيكاراغوا ليقابل تاجر مخدرات معروف في السجن (آندي جارسيا) سبق له أن تعاون أيضاً مع المخابرات الأمريكية، وذلك خلال ولاية الرئيس ريجان، ويبدو واضحاً تورط جهاز المخابرات المركزية في صفقات التهريب لتمويل جماعات الكونترا في نيكاراغوا المناهضة لحكم الساندنيستا (الحركة اليسارية التي انفصلت عن الحزب الاشتراكي بعد أن كانت تابعة له). تدعم الجريدة في البداية ويب في التقدم في الكتابة لنشر السبق، رغم تلقي ويب تحذيرات من أحد السياسيين (مايكل شين) بأن هذه القصة ليست للنشر وأنه قد يخسر الكثير. يتلقى ويب رسالة مباشرة من السي آي إيه بأن عليه الابتعاد عن هذا الموضوع إن كان يرغب في أمن عائلته، ويظهر ويب محباً لعائلته ولزوجته (روزماري ديويت)، لكنه يصر على المضي قدماً في الكتابة. تتصاعد الأحداث مع إصرار ويب على النشر، ويظهر له من الأعداء ما لم يكن في الحسبان، فالجهاز المعني ليست الجهة الوحيدة التي تحاربه، فرؤساء التحرير في الجرائد الكبرى يريدون مهاجمة الجريدة المغمورة التي ينتمي إليها، لأنها استطاعت الفوز عليهم بالسبق الصحفي، ويحاولون بكل الوسائل التقليل من مصداقية التقرير المنشور. ولابد من الإشادة بأداء رينر الرائع والصادق في إظهار ألم ومعاناة غاري ويب وسط من يحاولون التقليل من نزاهته. ورغم أن النهاية تكشف أن تقريراً صدر من السي آي إيه بعد عدة سنوات يؤكد ما ذكره غاري ويب في التقرير الذي نشره بعنوان "الحلف الخفي"، والذي ظهر فيما بعد ككتاب، ولكن للأسف يذكر الفيلم أيضاً الأسباب التي لم تجعل من هذا التقرير سبباً كافياً لإعادة الاعتبار لويب. إيقاع الفيلم ساهم في جعل الفيلم محكماً في البداية وإن لم تكن نهايته بنفس المستوى الذي بدأ به، ولكن الفيلم ممتع بشكل عام ويستحق المشاهدة. ويحسب للمخرج مايكل كويستا الذي سبق أن أخرج العديد من الحلقات لمسلسلات تلفزيونية شهيرة منها "Six Feet Under" و"Dexter" و"Homeland"، أنه قدم فيلماً متعدد الخيوط، يتناول فساد الاستخبارات والتنافس الصحفي اللا أخلاقي وحامل قلم يحاول الصمود وسط الرياح العاتية.