التعصب الرياضي لا يزال في تنامٍ مع الأسف الشديد، ولعل ما يدور في الشارع الرياضي اليوم يكشف لنا عن كثير من الممارسات الخاطئة من قبل (بعض) المنتمين إلى الرياضة سواء أكانوا لاعبين، أم إداريين، أم محللين، وتلك بلا شك معضلة يجب أن توجد لها الحلول الناجعة حتى لا تتطور أكثر فأكثر، ولعل أكبر مشكلة هي في النشء، وخصوصاً طلاب المدارس، فهم أكثر من يتأثر وهم الشريحة التي يجب أن توجه لها الرسائل، حتى نحصنهم من الانسياق وراء موجة التعصب، وحتى نخفف حدة التوتر لديهم مما يشاهدون ويسمعون ويقرأون أحياناً في الإعلام. وهناك دراسة حديثة نشرت مؤخراً كشفت عن واقع ظاهرة التعصب الرياضي داخل المجتمع السعودي، مفادها أن لوسائل الإعلام والإعلاميين وجماهير الأندية دورا كبيرا في إثارة التعصب الرياضي بين مشجعي الفرق الرياضية السعودية. إذ أكد نحو 50% من المشاركين في الدراسة الاستطلاعية التي أجراها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ممثلاً في وحدة استطلاعات الرأي العام أن من مسببات مشكلة التعصب أن جماهير الفريق الخصم تسيء لفريقهم، فيما يرى نحو 26% أن من مسببات مشكلة التعصب الرياضي هو استضافة الإعلاميين في البرامج الرياضية بكثرة للإساءة إلى الأندية التي يشجعونها. وطالب المشاركون والمشاركات في الدراسة، والتي ضمت نحو "1044" من الجنسين، يمثلون مجتمع العينة، ويمثلون جميع مناطق المملكة وجميع الفئات العمرية "ما بين 16 و50 عاماً"، بإيقاف الإعلاميين الذين يثيرون التعصب بين الفرق الرياضية. وأكد نحو 90% ضرورة إيقاف كل إعلامي يثير التعصب بين الفرق الرياضية، ونحو 84% بضرورة سن القوانين والأنظمة الصارمة التي تجرم التعصب الرياضي، فيما أعرب نحو 80% من المشاركين والمشاركات في الدراسة عن تمنياتهم بإلزام لاعبي الفرق الخاسرة بمصافحة لاعبي الفرق الفائزة، و61% أنهم يتمنون إلزام اللاعبين بتبادل قمصانهم بعد كل مباراة للحد من مشكلة التعصب الرياضي. ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة بشكل عام هي وجود رغبة في أوساط المجتمع للحد من ظاهرة التعصب الرياضي، من خلال ضبط البرامج الرياضية التي تثير جماهير الأندية وترفع من حدة التعصب الرياضي، ووضع قوانين رادعة لمثيري التعصب من مشجعي الأندية الرياضية أو منسوبي تلك الأندية. هذه الدراسة تمثل مؤشراً للوضع الذي تعيشه الرياضة، ومدى الحاجة الماسة لتغيير كل الأساليب والممارسات التي تغذي التعصب الرياضي، مع وضع قوانين صارمة تحد من انتشارها، وفي المقابل جعل الرياضة بيئة جاذبة ومحببة لكل عشاقها، فلا مانع من التشجيع واختيار النادي المفضل من الأندية فجميعها أندية هذا الوطن الغالي. ولكن..! عندما يتسبب التشجيع في التفريق بين الزملاء والأصدقاء والأقرباء ويثير المشكلات، فهو ما يجب أن يعالج بواقعية ومنطقية ووفق منهج علمي مدروس. ومثل تلك الدراسة الرائعة التي أجراها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ممثلاً في وحدة استطلاعات الرأي العام، نأمل أن يُسلط عليها الضوء من خلال البرامج التلفزيونية الرياضية وأن يتم التوسع في نقاشها من خلال الإعلام الرياضي، وتكون موضوعاً رئيساً لندوة كبرى تُقام في إحدى الجامعات بالتعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب. كم تألمت كثيراً كغيري من خروج المنتخب من الدور الأول لبطولة كأس الأمم الآسيوية 2015 م التي أقيمت في أستراليا، ولكن يجب أن نقف مع المنتخب ونتفاءل بمستقبله وندعمه، وأن نخفف من جلد الذات،لأن التصحيح يكون بالاعتراف بوجود أخطاء ووضع اليد على الجرح ومن ثم تعديلها، وبكل تأكيد وقوفنا مع المنتخب سيجعله يعود إلى منصات التتويج والبطولات كما عهدناه في السابق، وهذا سينعكس إيجابياً على تشجيع الأندية وسيخفف من حدة التعصب الرياضي بين الأندية، كما آمل أن يكون شعارنا (الرياضة تجمعنا)، (الرياضة توحدنا) وأن تكون الرياضة جامعة للكل.