إن قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بإنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية والموافقة على تنظيمة برئاسة الأمير محمد بن سلمان ويرتبط بمجلس الوزراء مباشرة، إلا دليل على تحقيق المزيد من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لجميع المواطنين في جميع المناطق من خلال التنمية العادلة والمتوازنة. وهذا يؤكد على الترابط الايجابي بين النمو الاقتصادي والتنمية، حيث ان حجم التنمية سواء كانت تنميه اقتصادية او اجتماعية يعتمد على الموارد الاقتصادية المتاحة وتطويرها وكفاءة ادارتها واستخدامها نحو المزيد من النمو المستدام بمعدلات أعلى. وهذا يتطلب ترتيب اولويات التنمية الاقتصادية حسب اهميتها والوقت اللازم لانجازها ضمن مؤشرات ونسب اقتصادية واجتماعية مستهدفة سنويا من اجل قياس الاداء والمتابعة. فلا شك ان التنمية مرتبطة بالنمو الاقتصادي فكلما زاد معدل نمو إجمالي الناتج المحلي كلما ارتفع نصيب دخل الفرد. ولكن الناس أدركوا أن النمو الاقتصادي شرط ضروري، وليس شرطا كافياً للتنمية، حيث ينبغي ان لا يكون الاهتمام بمعدل النمو فقط كميا بل أيضا نوعيا وبالكيفية التي تحقق ذلك النمو والآليات التي ستحدث أثرا إيجابيا على المستفيدين من هذا النمو. لأن النمو القوي أساسا للتنمية وشرطا ماديا لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. فعلينا ان نفرق بين النمو الأفقي والرأسي، حيث ان النمو الافقي يستند على تعظيم "المدخلات أو عناصر الإنتاج" مثل العمالة الرخيصة ورأس المال والأرض والتكنولوجيا المنخفضة، وهذا لن يحقق التنمية المستدامة ولا يصلح كسياسة اقتصادية واجتماعية سليمة. لأن البلدان التي اعتمدت على النمو الافقي نقلها فقط من الدخل المتدني الى الدخل المتوسط لتقع في (مصيدة االطبقة الوسطى) لان نموها يعتمد على تصدير الموارد الطبيعية والمدخلات السابقة. لذا من الضروري تسخير الموارد الطبيعية وتكوين ايرادات كافية للإصلاح التكنولوجي وتوفير فرصة التدريب لجميع العمالة على استخدام التكنولوجيا الجديدة تجنبا للبطالة وتذليل أهم العقبات التي تواجه متابعه عملية التنمية. أما النمو الرأسي فانه شرط للتنمية المستدامة ويجب علينا التركيز عليه، حيث إنه يعتمد على زيادة إنتاجية العمل بتأهيل العمالة وتطبيق العلوم والتكنولوجيا وإصلاح إدارات التنظيمات والإنتاج وزيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية مع حماية البيئة. فزيادة إنتاجية العمل تزيد القيمة المضافة وتوفر المزيد من المنتجات والخدمات التي تحسن من مستوى معيشة افراد المجتمع. ان السياسات الاقتصادية والاجتماعية الملائمة من اهم أدوات استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد أظهرت تجارب البلدان الأخرى بان السياسات الاجتماعية الحيوية التي تنفذها المؤسسات المناسبة تساهم في دعم الاستقرار الاجتماعي السياسي، وتحد من تضارب المصالح، وتعزز النمو الاقتصادي. فهناك تصور خاطئ عن السياسات الاجتماعية بأنها تستنزف الموارد وتقلل من الاستثمارات والإنتاجية وتعوق النمو الاقتصادي، بينما العكس هو الصحيح كما أوضحته في بحثي (تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على استقرار حصة الأوبك، دورية الطاقة والتنمية، 1992م)، حيث إن تلك السياسات ترفع من مستوى التعليم وتوفر العلاج الصحي (التأمين الصحي) وتحسن جودته للجميع مما يزيد من الانتاجية العمالية ودخولهم والنمو الاقتصادي، مما ينتج عنه تحسن مستوى المعيشة وتحفيز الطلب على المنتجات والخدمات مع نمو السيولة التي تنشط الانتاجية الاقتصادية. فقد حقق القطاع النفطي لدينا نموا بمعدل 36% بالأسعار الجارية في 2010م مقارنة بعام 2014م، بينما نما القطاع غير النفطي بمعدل 48% متفوقا على نمو القطاع النفطي بنسبة 12% ليصل نمو اجمالي الناتج المحلي الى 43% خلال نفس الفترة. كما ان الانشطة الاقتصادية التي تشمل (11) نشاطا حسب تصنيف مصلحة الاحصاءات العامة يمكن تحسينها، حيث تراجع منها ثلاثة بينما الاخرى مازالت شبه ثابتة، مما يستحق لفت النظر وتحليل كل نشاط لمعرفة لماذا يتناقص او ثابت من اجل تنشيطه. كما ان نسبة الصادرات غير النفطية من اجمالي الصادرات مازال متوسطها 14% ونسبتها الى إجمالي الصادرات 34.2% في 2014م، وهذا مؤشر هام يؤكد على قدرة السياسات الاقتصادية على تنويع القاعدة الاقتصادية.