بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز-رحمه الله- فقدت المملكة العربية السعودية والأمتان العربية والإسلامية قائدًا حصيفًا محنكاً، وترجل فارس مسيرة التنمية التعليمية والاقتصادية الشاملة في المملكة، بعد عقدٍ حافل بالإنجازات محليًا وإقليماً ودوليًا. إنه قائد لا ينسى أبداً.. ملك تاريخ استثنائي، أحبه الشعب بشكل مختلف، فنمت تلك العلاقة الوطيدة بينه وبينهم، واستطاع ان يضع المملكة في عهده محط انظار العالم لما تمثله من ثقل على المستوى السياسي والاقتصادي. ليحمل الأمانة بعده فارس سمته الحكمة والحنكة عبر سيرة في القيادة والسياسة والإدارة كرّسها في خدمة بلاده وهو العضيد الأمين دوماً لقادة أوفياء. خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز استلم دفّة قيادة عجلة التنمية في هذه البلاد ليبدأ عهداً جديداً وحقبةً زمنية مكملة لعهدِ إخوته -رحمهم الله-، ولكل ومن دولة ورجال، لذا وضع الملك سلمان لبنات أولى في عهده بإصدار جملة من القرارات التي تزامنت مع توليه الحكم. وبنظرة شمولية على تلك القرارات يتضح وبكل جلاء أن المملكة العربية السعودية ستدخل في عهدٍ جديدٍ ومرحلةٍ مختلفةٍ تتطلبها متغيرات العصر. تلك القرارات – لاشك – أنها تمثل رؤية واستراتيجية من شأنها أن تضع المملكة على خارطة الإصلاحات السياسية والاقتصادية، بالإضافة للاهتمام الكبير الذي يوليه العهد الجديد للشؤون الداخلية دون تجاهل الأوضاع الخارجية ومكانة المملكة العربية السعودية داخلياً وخارجياً. ترى إلى ماذا يرمي الملك من تلك القرارات؟ يظهر جلياً امتلاك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في ذهنه لرؤية واستراتيجية واضحة، ويريد تحقيقها من خلال أدوات تساعده على ذلك، ومنها: تعيين ولي العهد وولي ولي العهد في زمن قياسي، ضخ دماء شابة من الوزراء في مجلس الوزراء، إلغاء عدد من المجالس والهيئات التي كانت قائمة سابقاً وأدت دورها في حقبة معينة، إنشاء مجلسين مهمين لقطاعين مختلفين أولها يختص بالجوانب السياسية والأمنية وثانيها يختص بالجوانب الاقتصادية والتنموية، وأخيراً.. ضخ مايعادل 110 مليارات ريال في صورة دعم للمشاريع الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والمعوقين والإسكان ومكافأة الرواتب بعثت جرعة حقيقية من التفاؤل لنفوس المواطنين، مما يشكل رافداً قوياً لمسيرة الاقتصاد السعودي. ثم ماذا؟ من خلال تلك القرارات يتضح أن الملك -حفظه الله- عمل على محاور استراتيجية كبيرة، كانت معظم القرارات تأسيسية وتنظيمية، كما كانت أُطراً استراتيجية، وذلك تمهيداً لنقل البلاد إلى مرحلة جديدة تستحقها بحكم حجمها الاقتصادي والتاريخي، فالملك سلمان لديه جودة فائقة في الإدارة والسياسة. إن الملك - حفظه الله - أراد بهذا كله أن يضع لبنة أساس ينطلق من خلالها لتحقيق رؤيته واستراتيجيته التي نتوقع –بل نكاد نجزم- أنها ستكون على ثلاثة أجنحة رئيسة: الجناح الأول: الجانب السياسي والعلاقات الدولية، ففي ظل الهبوط الحاد في أسعار البترول والمنافسة الشديدة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة في العالم وفي وقت تعاني فيه سوق النفط العالمية مزيداً من الانخفاض أثرت على الاقتصاديات العالمية برمتها وزادت من حجم الدين العام الذي أغرق السواد الأعظم من الدول، نجد المملكة العربية السعودية تبني سياستها الاقتصادية بتوازن مهني مبنيّ على عكس الدورات الاقتصادية في العالم من كساد وركود وأزمات اقتصادية. الجناح الثاني: الجانب الأمني وما يشكله الإرهاب من تهديد عالمي ليس على المملكة فحسب بل على العالم كله. ولعل مكانة المملكة وجهودها المثمرة في مكافحة الإرهاب جعل هذا الجناح من أهم الملفات. ومن المتوقع أن تشهد المملكة تقدماً عالمياً في هذا المجال في ظل وجود رجل الأمن الأول في البلاد في المرتبة الثالثة بعد الملك وولي عهده. الجناح الثالث: التنمية الاجتماعية والمحلية، اهتمام خادم الحرمين الشريفين في مشروع الإسكان بضخ 20 مليار ريال في هذا الملف وكذلك تعديل سلّم المستفيدين من الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى ضم كل قوائم الانتظار من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الإعانات، دليلاً على رعايته وحرصه على التنمية الاجتماعية لأبناء الوطن. من هذا كله نستشف ونستشرف مستقبلا مضيئا - بإذن الله تعالى - في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والمبني على تلك الاستراتيجية التي رسمها وينطلق من خلالها في إدارة دفّة أركان البلاد، حيث جاءت قرارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في مجملها عناوين مؤسسة لمرحلة تاريخية سيشهدها الوطن بكامل شرائحه، وأعطت مؤشرات على رؤيةٍ إصلاحية، ورغبةٍ في ملامسة هموم المواطن، وهواجسه المعيشية. وتدل تلك الأوامر على أن رؤية خادم الحرمين الشريفين لهذه البلاد رؤية نافذة لتحقيق التنمية مستدامة. وبعدُ فقد حان وقت العمل، وجاء دور المواطن كلٌّ في موقعه، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الرئيس والمرؤوس، لترجمة رؤية واستراتيجية الملك من أجل الحفاظ على مكتسبات الوطن وتعزيز نهضته الشاملة، للوصول إلى أعلى درجات الكفاءة وتحسين الأداء المؤسسي اللذين يعدّان عنوان المرحلة الجديدة. * جامعة سلمان بن عبدالعزيز