رئيس وزراء اليابان أثار حفيظة الصين وكوريا الجنوبية بزيارته لأضرحة قتلى الحرب العالمية الثانية، وتاريخ اليابان مع آسيا مرير وسيئ حيث كانت حروبها واستعمارها دموياً وعنصرياً مذلاً لتلك الشعوب، وحتى قيامها بدور المؤسس لنهضة آسيا الحديثة، لم يخف الدموع والدماء لتلك الذكريات المريرة والتي لا تزال تعيش في وجدان الضحايا، والإشكال أن كويزومي لا يفصح عن أهدافه بإثارة تلك الدول وشعوبها، والذي ظلت بلاده تخاف أي خطأ في التعبير عن جرائم الحرب العالمية الثانية، إذا ما أثارتها دول أوروبا، وأمريكا، أو الاتحاد السوفياتي القديم، أما أن يتوجه إلى كسب غضب الدول الآسيوية فربما تفسره تلك الدول على أنه نوع من التعالي ونبش التاريخ لبطولة الياباني الذي حطم معاقل الدول الآسيوية وروح الاستعمار الكامنة في وجدانه.. التاريخ السياسي للعالم مليء برموز القتلة، والصين التي تحتج على اليابان لا تزال ترى في جنكيزخان بطلاً قومياً أسطورياً، وهو أحد مدمري الحضارة الإسلامية في بغداد والدول التي وصلت إليها جيوشه، ولا ندري كيف سيثور الدم الأوروبي، لو أن الألمان أقاموا احتفالات، أو رفعوا شعارات بطولاتهم أيام الحكم النازي، وجعلوا من هتلر أسطورة تاريخية، وقام بنفس الفعل والعمل الإيطاليون باحتفالات مماثلة للفاشية ووضعوا موسوليني في منزل القداسة، والعظمة، وأيضاً جاء القوميون الروس ووضعوا اسم ستالين في مركز المؤسس الأعظم لدولة الاتحاد السوفياتي، وكذلك الأمر مع صدام حسين، ورموز الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ألا تثور أمريكا ودول أوروبا معتبرة الاحتفال بتلك الرموز هوعودة للصليب المعقوف وميلاد للفاشية، والستالينية. والدكتاتورية؟.. المشكل هو في الخلاف بين نظرة الشعوب لرموزها وعناصر قوتها التاريخية، وزيارة كويزومي تدخل فصلاً جديداً في إثارة دول صارت تكتسب قوة اقتصادية مماثلة لما أنتجته العبقرية اليابانية، ولعل الصين التي تركض لاحتلال مقعد مجاور لأمريكا، وقد تسبق أوروبا واليابان، في التقدم الاقتصادي والتقني، أن تجد أجيالها الجديدة أنها مضطرة لاستعادة تلك الذكريات ووضعها في حسابات الصراعات القادمة، ومع أن اليابان تدرك معنى كسب عداوة الآسيويين وتعلم أنه خطأ سياسي كبير، وهي الدولة التي تشارك في استثمارات كبيرة داخل الصين وكوريا الجنوبية، وبقية الدول الآسيوية الزاحفة نحو التقدم، إلا أنها تكوّن فكراً مغايراً وحساسيات هي في غنى عنها، وحتى لو اعتبر رئيس وزراء اليابان زيارته قضية شخصية وليست رسمية، فمركزه كرئيس وزراء يضعه على نفس الدرجة من المسؤولية لتؤخذ تصرفاته بأنها جزء من سلوك دولة وليست تصرفاً شخصياً..