تنبأ بعض النقاد، بعد مشاهدة العرض الأول لفيلم "Whiplash" في مهرجان صندانس 2014، وفوزه بجائزة الجمهور وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بأن هذا الفيلم سيكون له رحلة مع الجوائز، وخاصة في فئة أفضل ممثل مساعد. وقد راهنت شركة سوني الشهيرة عليه بشراء حقوق عرض الفيلم وتوزيعه. ثم عرض بعدها في مهرجان تورنتو، وحينها توقع الكثير أن يكون الفيلم من ضمن الأفلام المنافسة على أوسكار أفضل فيلم. وقد تم بالفعل ترشيح الفيلم لخمس جوائز أوسكار وهي: أفضل فيلم وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل ممثل مساعد وأفضل مونتاج وأفضل دمج صوتي. كما تم ترشيحه أيضاً لجوائز الأكاديمية البريطانية (بافتا) لخمس جوائز أيضاً، وهي: أفضل مخرج وأفضل ممثل مساعد وأفضل نص أصلي وأفضل مونتاج وأفضل هندسة صوت. وقد تكون الجائزة الأعلى توقعاً هي جائزة أفضل ممثل مساعد (جي كي سيمنس) تليها جائزة أفضل مونتاج. داميان تشازيل وقد كان من المستغرب أن يتم تصنيف نص الفيلم كنص مقتبس بدلاً من أصلي في ترشيحات الأوسكار، ولكن قد يكون السبب في هذا هو تقديم مخرج وكاتب الفيلم داميان تشازيل جزءاً من القصة في فيلم قصير في مهرجان صندانس عام 2013، حتى يستطيع إقناع بعض المنتجين بطبيعة الفيلم وهو ما حدث. وقد استمد القصة من تجربته كعضو في فرقة جاز في المرحلة الثانوية وأجواء الخوف والتنافس الموجودة. ينقل لنا "Whiplash" تجربة أندرو نيمن (مايلز تيلر)، وهو شاب منعزل يعزف على آلة الإيقاع منذ صغره، ويحب موسيقى الجاز، ويحلم بأن يصبح موسيقياً عظيماً. يتم قبوله في أهم مدرسة موسيقية في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ وفيها يعرف بأن المايسترو الشهير تيرينس فليتشر (جي كي سيمنس) يبحث عن عازف إيقاع لفرقته. يسعد نيمن عندما يطلب منه فليتشر أن يكون عازف إيقاع احتياطي في فرقته. يتبين أن اسم المقطوعة التي يدرب فليتشر أعضاء فرقته عليها هو "Whiplash" وهو عنوان الفيلم، والذي يعني أيضاً "الجلد بالسوط". بعد حضور التدريبات، يشاهد نيمن طريقة تعامل فليتشر اللا إنسانية والمهينة لأعضاء فرقته عند ارتكابهم لأي خطأ مهما كان بسيطاً. ثم يتعرض نيمن نفسه للإهانة والصفع من فليتشر أمام كل أعضاء الفرقة وهو ما يجعله يغضب، ولكنه يستمر في العمل من أجل أن يصل إلى المستوى الذي يطالبه به فليتشر. إصرار نيمن على التفاني في عمله، يدفعه لأن يقطع صلته بفتاة تدعى نيكول (ميليسا بينوست) تعرف عليها حديثاً، حتى لا تشغله عن التدريب. يمثل نيمن الشباب بكل اندفاعه وأحلامه وتهوره الذي لا حدود له، في حين أن فليتشر يؤمن بأن مهمته في الحياة هي أن يصنع موسيقياً استثنائياً، وأن ذلك لا يمكن أن يكون دون أن يدفع بالآخرين إلى أقصى ما يمكنهم القيام به، ولا يعنيه في سبيل ذلك، ما قد يسببه لهم من إيذاء نفسي وجرح لمشاعرهم، بل ولا حتى الدماء التي تنفر من أجسادهم من جراء التمرين المتواصل. المهم هو الموسيقى، وهو الذي يتفق عليه الاثنان، وإن لم يتفقا في أي شيء آخر. تتطور القصة بعدها بمنعطفات غير متوقعة، ونرى نيمن وفليتشر في مواجهة بعضهما البعض حتى اللحظات الأخيرة. من الصعب لكل من شاهد الفيلم أن ينسى أداء جي كي سيمنس، فقد كان متمكناً للغاية من الشخصية المركبة والعجيبة وانفعالاتها غير المتوقعة، وقد بدا مرعباً ومخيفاً بالفعل. لكن تيلر كان رائعاً كذلك، وهو ما أضاف ثقلاً كبيراً للفيلم الذي يعتمد نصه بالكامل على انفعالات وحوارات هاتين الشخصيتين بشكل أساسي. كما أن قصة الفيلم مختلفة وبعيدة عن القوالب الجاهزة وهو ما ساهم في إضفاء أجواء التشويق والمتعة عند المشاهدة. وقد بدا داميان تشازيل الذي يخرج عمله الثاني متمكناً للغاية من أدواته وسرده البصري. فنحن نشعر بنيمن في كل لحظة ونعيش الطاقة الجسدية التي يبذلها إلى درجة أن الفيلم يتداخل أحياناً مع أفلام الرياضة في مدى الجهد الجسدي المبذول والألم أحياناً. وقد سبق للمخرج أن أخرج وكتب فيلم "Guy and Madeline on A Park Bench" (2009) كما كتب سيناريو لفيلمين آخرين هما "Grand Piano" و"The Last Exorcism". وقد كان مونتاج الفيلم جميلاً جداً وسلساً للغاية، خاصة في مشاهد العزف التي تجعلنا نشعر بكل لحظة أثناء عزف نيمن. وزوايا التصوير مدروسة جداً. والحقيقة أن شيزيل أثبت بعد فيلمه هذا أنه مخرج يستحق المتابعة وينتظر جديده بحماس.