خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله كان شريكاً في الحكم وفي صياغة قرارات الأمن الوطني منذ توحيد هذه الأرض المباركة وحتى توليه مقاليد الحكم في (23 يناير 2015م)، ولذلك فإن السياسة الخارجية، الدفاعية، الاقتصادية، والأمنية للدولة، وكذلك السياسة الداخلية تم صياغتها تحت أنظاره وبمشورته، ولا أعتقد أنه سيكون هناك تغيير جذري في هذه السياسات، إلا أن لكل قائد بصمته الخاصة، ورؤيته، وما نحن بصدده في المرحلة المقبلة هو الاستمرار في تنفيذ هذه الاستراتيجيات والخطط ولكن وفق هذه الرؤية، والتي يساعده في صياغتها خبرات متراكمة، وثقافة عالية، وفريق عمل حكومي مؤهل. ولذلك فإن الأولوية الأولى هي إعادة صياغة إستراتيجية الأمن الوطني للدولة وفق المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تعتمد على رؤية خادم الحرمين (VISION)، ويُبنى عليها صياغة الأهداف(ENDS)، وتحديد الطرق الأنسب(WAYS) للتنفيذ، والوسائل اللازمة (MEANS) لتحقيقها. هذه الإستراتيجية يجب أن تصدر مكتوبة كوثيقة رسمية، وتصدر عادة بنسختين، النسخة الأولى علنية(PUBLIC)، بحيث توزع على كافة الوزارات، ويُسمح بنشرها إعلامياً بحيث يستطيع المواطن الاطلاع عليها ومعرفة الخطوط العريضة لتوجهات الدولة، والنسخة الثانية تكون سرية(CLASSIFIED) ويتم تداولها في أضيق نطاق وتوزع فقط على الجهات المعنية كوزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني ورئاسة الاستخبارات. هذه الإستراتيجية تُعتبر أولوية قصوى، وهي تضمن أن جميع وزارات وقطاعات الدولة تسير كمنظومة واحدة وبتناغم لتحقيق أهداف واضحة وفق رؤية خادم الحرمين. إن هذه الإستراتيجية مهمة جداً، فهي تختصر الزمن، وتساهم في الحد من الأخطاء الإستراتيجية، وتساعد بشكل ملحوظ في ترشيد النفقات وحفظ المال العام. الأولوية الثانية، تبرز في أهمية إعداد تقييم موقف إستراتيجي شامل للوضع الإقليمي والدولي (INTERNATIONAL AND REGIONAL TOTAL STRATEGIC EVALUATION)، وترتيب الأولويات وفق التهديد المحتمل والأشد خطورة على الأمن الوطني. إن الإرهاب الدولي وتعدد المنظمات المتطرفة، والانفلات الأمني وضياع هيبة الدولة في اليمن، واستمرار الأزمة السورية، والتهديد النووي الإيراني تُمثل تحديات إقليمية تحمل درجة (شديد الخطورة) على الأمن الوطني السعودي. الأولوية الثالثة تكمن في ضرورة البدء في ثورة صناعية حقيقية وجادة، لا تقتصر على البلاستيكيات، وسائل غسيل اليدين، وحافظات الأطفال، واستيراد القطع الرئيسية وتجميعها بزعم أن هذا يندرج تحت مفهوم الصناعة الوطنية، بل يجب أن تشمل تصنيع الطائرات والسيارات بشكل كامل بما فيها المحركات، والأجهزة الإلكترونية المتقدمة، والتركيز على التصنيع العسكري الذي ُيعتبر حقاً سيادياً لأي دولة ولا يتعارض مع القانون الدولي. الأولوية الرابعة، تم البدء في التفكير فيها منذ عام (1974م) ، ولكن لم تُتخذ خطوات فعلية لتنفيذها وهي، تنويع الاقتصاد وتنويع مصادر دخل الحكومة، لتقليل الاعتماد على النفط والحد من الآثار المترتبة على ذلك، وأنا على يقين بأنه متى ما وُجدت الإرادة، ووجه خادم الحرمين بذلك فسيأتي يوماً نرى فيه أن(30%) (على سبيل المثال) من إيرادات ميزانية الدولة ليست من النفط. يُضاف إلى ذلك الاستمرار في الاهتمام بالتعليم والصحة والبنية التحتية للدولة، وبطبيعة الحال فلا يمكن حصر الأولويات في مقال، ولكن هذه خطوط عريضة تظهر كأهداف قابلة للتحقيق ضمن إستراتيجية الأمن الوطني، وإستراتيجيات الوزارات المنبثقة منها. إن ضخ الدماء الشابة في حكومة خادم الحرمين تبعث على التفاؤل، وستساهم حتماً في صياغة إستراتيجية واضحة ودقيقة، وتنفيذ برنامج حكومي طموح، فتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد هو ضمانة حقيقية لاستقرار الدولة، وثباتها، وتأمين مستقبلها السياسي، وكذلك الأمر لرئيس الديوان الملكي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان والذي أعتقد جازماً (بإذن الله) بأنه سيكون قادراً على قيادة دفة الوزارة بكفاءة واقتدار ، ولنا الحكم بالأثر، ولهم منا الدعاء بالتوفيق والسداد.