ببالغ الحزن والأسى ودعنا بالأمس ملكاً ترك في قلوب الملايين من أبناء شعبنا السعودي ومن أبناء العروبة والإسلام أجمل الأثر وأبقاه بفضل ما قام به من أفعال طيبة وما تحلى به من صفات حميدة. ومن نعم الله علينا نحن أبناء هذه البلاد المباركة ان قيض لنا قادة حكماء وحكاماً أوفياء رأينا الخير على وجوههم وحظينا تحت قيادتهم الرشيدة بالأمن والأمان والتطور والازدهار. ففي عهد المغفور له الملك عبدالله حققت بلادنا ثورة نهضوية في مجالات التعليم الجامعي ودخول المرأة السعودية معترك الحياة العامة واتساع حيز المشاركة في صنع القرار وفسحة حرية التعبير عن الرأي سواء في ما يتم تداوله على ألسنة المواطنين أو قوله في الإذاعات وبثه عبر شاشات التلفاز وكتابته في مقالات الصحف. فلقد تضاعف عدد الجامعات ومعاهد التعليم العالي وقفز عدد المبتعثين إلى الجامعات الأمريكية والأوروبية من أجل استكمال دراساتهم العليا إلى أرقام غير مسبوقة. كما اتسعت مشاركة العنصر النسائي في شتى الأنشطة التربوية والإدارية والاقتصادية ودخلت المرأة السعودية إلى مجلس الشورى وتم تعيين أول امرأة كنائب وزير ولم يعد من المستغرب أو المحظور في بلادنا ان نعترف بحصول بعض الأخطاء هنا أو هناك سواء في الخطط الموضوعة من قبل بعض الهيئات والأجهزة الرسمية أو في الممارسات والتطبيق على أرض الواقع. فأصبح من الشائع والمألوف ان يقوم حتى المسؤولين أنفسهم بتوجيه النقد البناء بقصد التقويم والاصلاح. أما عن النهضة الاقتصادية والعمرانية المذهلة ومشاريع التحديث والتطوير العملاقة التي شهدتها المملكة في مختلف المجالات وشتى مناحي الحياة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز فحدث ولا حرج ولقد اقتضت حكمة الله سبحانه ان يختص أبناء جيلنا نحن ممن تجاوز السبعين من العمر بنعمة المعاصرة والمشاهدة بأم العين لنهضة بلادنا التي كانت تعاني من قلة الموارد وضيق ذات اليد وانتقالها إلى النمو المضطرد والتطور بوتيرة عالية وسرعة مذهلة إلى ان وصلت إلى ما هي عليه الآن من قوة ومنعة ورفاهية وازدهار وسعة في المداخيل وارتفاع في مستوى المعيشة. كما اقتضت حكمة الله سبحانه ان تمكث ثروات النفط الهائلة مدفونة في باطن الأرض آلاف السنين إلى ان حان وقت استخراجها والاستفادة منها تحت ظل قادة حكماء ونجباء وأقوياء تعاقبوا على إدارة دفة السفينة بعد المغفور له الملك المؤسس والقائد الفذ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود فكانوا خير خلف لخير سلف، فانقلب على أيديهم واقع بلادنا الاقتصادي رأساً على عقب وانتقلنا بحمد الله من القلة والعوز إلى الوفرة والثراء. وعلى صعيد علاقة بلادنا بمحيطها العربي والإسلامي وبسائر دول وبلدان المعمورة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز تغمده الله بواسع رحمته فقد تبوأت المملكة مركزاً بارزاً ومرموقاً بفضل السياسة الخارجية الحذرة والمتزنة والمدروسة إضافة إلى ما شهدناه من مبادرات هامة وموفقة أطلقها الملك عبدالله سواء على صعيد طرح حل للصراع العربي الإسرائيلي حظي في حينه بإجماع العرب، أي حظي بما لم يحظَ من قبله ولا من بعده أي مشروع آخر، أو على صعيد تفعيل حوار الأديان السماوية بقصد تقريب وجهات النظر وإزالة الفتن والأحقاد المتوارثة وتعريف البشرية جمعاء بالوجه المشرق بالهداية والنور واليسر والتسامح لإسلامنا الوسطي المعتدل ناهيك عن دعم المملكة لدولة مصر الشقيقة والأخذ بيدها في وقت الضيق من أجل تحقيق الاستقرار واستعادة دورها ومكانتها الوازنة في الإقليم ثم قيام المملكة باحاطة الأشقاء في قطر بالعناية الاخوية والاسهام في إعادتهم إلى كنف أهلهم وذويهم في مجلس التعاون. عظم الله أجركم وأجرنا جميعاً في فقدان طيب الذكر والقلب الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز وغفر له وأكرم منزله ووسع مدخله وآنس وحشته وأسكنه فسيح جنانه، وأطال الله عمر ملكنا الصالح سلمان بن عبدالعزيز المتميز بثقافته الواسعة وخبرته الطويلة في إدارة شؤون الحكم وبابه المفتوح بوجه المواطنين لتسيير شؤونهم وتلبية حاجاتهم ووفق الله الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى ما فيه خدمة الإسلام والمسلمين والناس أجمعين ورضى رب العالمين. إنا لله وإنا إليه راجعون.