بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تكون الأمة العربية والإسلامية قد فقدت أبر أبنائها، وأحد أهم قادتها وزعمائها وحكمائها، لقد رحل من أجمع الناس على محبته وعروبته، رحل من سكن القلوب والعقول والأفئدة، رحل من قاد قطار التنمية، رحل من حقق قفزات نوعية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، رحل من وضع بصمات لن يمحوها التاريخ أبدا، رحل رجل الإصلاح الأول ورجل الاقتصاد الأول، رحل راعي النهضة العمرانية، رحل من كان كل همه هو المواطن. عشر سنوات من العطاء والنماء، عشر سنوات من إنجازات عديدة خطتها أيادي العطاء في جبين المملكة، موازنات قياسية، مشروعات عمرانية ضخمة، برامج ابتعاث، برامج لتطوير مرافق القضاء والتعليم والسياحة، مركز لمكافحة الإرهاب، مركز لحوار الأديان، مشروعات تعليمية نوعية، والعديد من الإنجازات التي لايمكن حصرها. لقد قاد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود "رحمه الله" قاطرة الإنجازات، سابق عبرها الزمن لتنفيذها وتحقيقها على أرض الواقع، تاريخ حافل بالتطورات الفريدة: 25 جامعة و200 ألف مبتعث، 6 مدن طبية، مستشفيات تخصصية، نحو 500 منشأة طبية خاصة وعامة، شبكة طرق برية وحديدية، ومدن رياضية، هيئات لتطوير المدن، مكافحة الفساد، إضافة إلى توسعة تاريخية للحرم المكي والنبوي وهي المشروع الأضخم والأكبر في تاريخ المملكة.. إن الإنجازات التي تركها الملك عبدالله بن عبدالعزيز "طيب الله ثراه" ستظل خالدة في ذاكرة الزمن، وستبقى علامة مضيئة في جبين الوطن وعلى صدر الزمن يحق لنا أن نزهو ونفخر بها، لقد كانت إستراتيجية الدولة في عهده امتداداً لعهود من سبقوه من الملوك التي جعلت استثمارها في سعادة المواطن وجعلت منه محور التنمية ليكون دائماً (السعودي السعيد). لقد استطاع بفضل حكمته وحنكته ورؤيته الصائبة أن يضع بلاده وأمته في المكانة اللائقة بها بين الشعوب والأمم، لقد اتسمت سياساته بالحكمة، وامتاز عهده بالاتزان والوسطية، عرفه العالم أجمع رجلاً حريصاً على الحق والعدل، محباً للتسامح والسلام، وراعياً للحوار بين الأديان والحضارات، استلهم العالم رؤاه السديدة، وسار خلفه، ووثق فيه. عبدالله الملك والانسان الذي جعل من المملكة قبلة الاقتصاد كما جعل الله فيها قبلة المسلمين، وبدل من معادلات كانت لأزمان وحقب طويلة سائدة، هو أحد صناع التاريخ، هو من كرس جهده لعز ومجد الوطن. إن التاريخ سيقف حتما بالإجلال والتقدير والاعتزاز والدرس والتحليل أمام الشخصية المتفردة، الحكيمة، والرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قلة هم من ينحني التاريخ امام هاماتهم، عبدالله بن عبدالعزيز واحد منهم، لما سطره لأمته ودينه من صفحات ناصعة سيخلدها التاريخ في دواويينه بأسطر وأحرف من نور، ولما تركه لأمته من أمن واستقرار ورخاء ونماء، ولما صدره لأجيال المستقبل من أرصدة الحكمة التي تكفيها للنهل من ينابيعها لأجيال قادمة، عطاءاته باقية، إنجازاته خالدة، أعماله شاهدة. إن الحدث جلل، والمصاب عظيم، وإنا لفقدك ياعبدالله لمحزونون، ولكن عزاءنا أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هو خير خلف لخير سلف، ولا يسعنا في مثل هذا المصاب الجلل إلا التسليم بأمر الله سبحانه وتعالى، والحمد لله، له ما أعطى وله ما أخذ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا تبارك وتعالى "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فرحم الله والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وعوض الوطن والأمة العربية والإسلامية فيه بخير. وبقدر الفاجعة التي تلقيناها بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز "رحمه الله " فقد عم الارتياح والاطمئنان ربوع الوطن بتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم في البلاد، ونبايعه وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية "حفظهم الله" على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة. داعين المولى عز وجل أن يحفظ قادة هذه البلاد وأن يعينهم على القيام بمسؤولياتهم الجسام وأن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه ويديم على وطننا المنعة والرفعة.